درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[خطبة للجمعة الثانية من شهر رمضان]

صفحة 180 - الجزء 1

  وللمسلمين، وعلى مطاردتهم لهم في كل أرض، وعلى محاربتها لدين الله بكل وسيلة، ولكن العفو السمح، لكن إنسانية الإسلام وأخلاق الإسلام كانت هي شعار محمد ÷ كما كانت من قبل شعاره، فخطب فيهم قائلاً: «لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعَظُّمَها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب، وتلا قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}⁣[الحجرات: ١٣]».

  ثم قال: «يامعشر قريش، يا أهل مكة، ماترون أني فاعل بكم؟» فقالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»⁣(⁣١) وأعتقهم وعفا عنهم بعد أن أمكنه الله تعالى من رقابهم.

  وهكذا أعلن لقريش وللبشرية كلها في هذا الموقف كما في غيره من المواقف، أعلن إنسانية الإسلام وأخلاق الإسلام، وهكذا تم في هذه المرحلة الوعد الإلهي العظيم.

  فهذا مختصر من قضية الفتح، وأعود إلى ما بدأت به فأدعوكم إلى اغتنام


(١) رواه الأمير الحسين في كتاب شفاء الأوام بلفظ: «الحمد لله الذي أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده»، ثم التفت إلى قريش وهم حواليه فقال لهم: «ما تقولون»، فقالوا: أخٌ كريم قد ملكتَ فاصنَع ما شئتَ، فقال ÷: «أقول ما قال أخي يوسف لا تثريبَ عليكم اليوم أنتم الطلقاءُ»، ورواه الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان # في أصول الأحكام عن قتادة بلفظ: «يامعشر قريش، يا أهل مكة، ماترون أني فاعل بكم؟» فقالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وذكره الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة في الديباج الوضي قال: ويحكى أن الرسول # لما دخل يوم الفتح الكعبة وقريش حوله، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «إن الله تعالى قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وافتخارها بالآباء، الناس كلهم من ولد آدم، وآدم من تراب» ثم تلا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ٣} إلى قوله: {... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}⁣[الحجرات: ١٣].