درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[الخطبة الثالثة لشهر رمضان فيها ذكر مقتل الإمام علي #]

صفحة 185 - الجزء 1

  لسانه بالكلام العربي المبين الذي رسخ قواعده أبو الحسن.

  ويقرأ الجبان سيرته فتنهدر في صدره النخوة وتستهويه البطولة؛ إذ لم تشهد الغبراء ولم تطل السماء على أشجع من ابن أبي طالب.

  فعلى ذلك الساعد الأجدل اعتمد الإسلام يوم كان وليداً، فعليٌّ بطلُ بدرٍ وخيبر وحنين والخندق.

  وأعجب من بطولته الجسدية بطولته النفسية، فلم يُرَ أصبر منه على المكاره؛ إذ كانت حياته موصولة الآلام منذ فتح عينيه على النور في الكعبة حتى أغمضهما على الحق في مسجد الكوفة.

  لقد اغتيل # وهو في أفضل ساعة حيث يقوم بين يدي الله في صلاة خاشعة، وفي يوم من أشرف الأيام، ثم هو # في أعظم تكليف إسلامي حيث كان في طريقه لخوض غمار حرب جهادية كما كان في بقعة من أشرف بقاع الله وأطهرها، وذلك في مسجد الكوفة.

  وهذه الجريمة النكراء تعتبر أشرس جريمة وأفظع حادثة؛ لأنها لم تستهدف رجلاً كسائر الرجال، إنما استهدفت القيادة الإسلامية الراشدة، استهدفت اغتيال رسالة وتاريخ وحضارة، استهدفت قتل أمة تتمثل في شخصية أمير المؤمنين #، استهدفت إنساناً هو نفس رسول الله ÷ بنص القرآن في آية المباهلة، استهدفت شخصية سامية رفيعة ترفض الظلم والجور والخيانة بجميع أشكالها، الذي قال فيه رسول الله ÷: «ما شيد هذا الدين إلا بسيف علي ومال خديجة».

  استهدفت خليفة كان يحكم خمسين دولة إسلامية تزيد مساحتها على الشرق الأوسط برمته، تضم ألف بلد إسلامية يأتيه خراجها وواجباتها، ومع ذلك فهو يعيش كأفقر واحد من أفراد دولته،

  فكان طعامه خبزاً من الشعير اليابس يفت عليه الماء ويذر عليه الملح، ثم