خطبة في ذكر ليلة القدر
  بالسمع والطاعة لأهل بيت نبيكم، وإياكم واتباع الهواء فمن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله.
  وإياكم والتكبر، يروى أن المتكبرين في الأرض سيكونون يوم الحشر كالذر يدوسهم الخلائق بالأقدام، وإياكم والفخر فإنما خلقتم من التراب وإليه تعودون، والتزموا التقوى فإنها غاية لا يهلِك من اتبعها ولا يندم من عمل بها، فبالتقوى فاز الفائزون، وخسر هنالك المبطلون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فاتقوا الله الذي إليه تحشرون.
  أيها المؤمنون، إن من الحق علينا أن نجتهد في طاعة الله، وأن نقوم بما أوجب الله علينا من أداء ما فرض وترك ما عنه نهى، فنحن في خواتم هذا الشهر العظيم نحن في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، التي كان رسول الله ÷ إذا حانت شد المئزر وأحيا الليل كله، ولنا برسول الله ÷ الأسوة الحسنة، ويكفي في عظمتها وفضلها أن الله تعالى جعل من لياليها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، التي وصفها رسول الله ÷ بأنها ليلة طلقة لا حارة ولا باردة، ولا يرمى فيها بنجم، فالتمسوها ليلة تسع عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين(١).
  والحديث عن تلكم الليلة المشهودة عظيم، كيف لا وهي ليلة الاتصال بين الأرض والملأ الأعلى، إنها ليلة الحدث العظيم الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً، ألا وهو نزول القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
  حدث عظيم لم يشهد مثله في دلالاته وآثاره في حياة البشرية جمعاء، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ١ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ٢ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ٣ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ٤ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى
(١) له شاهد في النور الأسنى، والبحر الزخار.