خطبة في ذكر ليلة القدر
  مَطْلَعِ الْفَجْرِ ٥} صدق الله العظيم، هذه الآيات العظيمة تزخر وتفيض بالأنوار نور الله المشرق في قرآنه، وأنوار الملائكة الكرام والروح الأمين وهم في غدوهم ورواحهم في تلكم الليلة المقدسة.
  هذه الليلة هي طبعاً من ليالي شهر رمضان، وليالي شهر رمضان كلها عظيمة ومقدسة، ولكن هذه الليلة تختلف عن سائر الليالي، فهي تختص بالفضل والفضيلة، ولنستمع معاً إلى ما يقول رسول الله ÷ في بيان ما للقائمين في ليلة القدر بالعبادة، قال ÷ ما معناه: «إذا كانت ليلة القدر أمر الله جبريل فهبط في كُبْكُبةٍ من الملائكة إلى الأرض ومعه لواء أخضر فيركز اللواء على ظهر الكعبة وله ستمائة جناح منها جناحان لاينشرهما إلا في ليلة القدر فينشرهما في تلك الليلة فيجاوران المشرق والمغرب، ويبث جبريل الملائكة في هذه الأمة فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر ويصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر قال جبريل: معشر الملائكة الرحيل الرحيل، فيقولون: ياجبريل، ماصنع الله في حوائج المؤمنين؟ فيقول: إن الله نظر إليهم في هذه الليلة وعفى عنهم وغفر لهم إلا أربعة: مدمن خمر، وعاق لوالديه، وقاطع رحم، ومشاحن، قيل: وماالمشاحن يا رسول الله؟ - قال: المصارم»(١).
  ولا غرو فقد وصفها الله ø بأنها خير من ألف شهر، ليلة واحدة خير من ثلاثة وثمانين عاماً، سبحان الله العظيم ما أبرك هذه الليلة وما أعظمها! والعدد قد يكون لإفادة التكثير أولى منه للتحديد، فهي في الحقيقة خير من آلاف السنين؛ إذ قد تمضي آلاف السنين دون أن تترك في هذه الحياة بعض ما تتركه هذه الليلة المقدسة من آثار وتحولات، فهي عظيمة باختيار الله لها لبدء نزول القرآن، الذي أصبح واسطة بين أهل الأرض والسماء؛ إذ بالقرآن تسمو أرواحهم إلى الملأ الأعلى، وعن طريق القرآن يتم الاتصال بخالق الأرض والسماء، أنزله الله ø وفرض فيه
(١) رواه العنسي في كتابه الإرشاد الى نجاة العباد.