خطبة في ذكر ليلة القدر
  الفرائض وبيّن فيه الحلال والحرام، فيه الهدى والنور وفيه البينات والمواعظ، وحفظه تعالى من كل تحريف أو تبديل، ومن كل زيادة أو نقصان.
  وجعل له تراجمة أمناء اختارهم رب العالمين، لا يفارقهم القرآن ولا يفارقونه، جعلهم يبينون للناس ما خفي مما أحل لهم وحرم عليهم؛ لأنه تعالى جعله محكماً ومتشابهاً، ومجملاً ومبيناً، وناسخاً ومنسوخاً؛ اختباراً منه لعباده؛ ليعلم المطيع من العاصي، والمتواضع من المتكبر، ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد ذلك، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
  وجدد في هذا القرآن الأحكام التي تقوي عزائم الناس، وتربي نفوسهم على السير في منهج الله، وعلى الجد في طريق الإيمان، ومن رحمة الله بعباده أن أخفى عنهم هذه الليلة المقدسة - ليلة القدر - فجعلها إما في ليلة تسع عشرة أو في الأفراد بعد العشرين من شهر رمضان؛ لأنه ø على ما يبدو يريد منا أن نجتهد في طاعة الله في هذه الليالي كلها؛ لنفوز برضوان الله، ولنحصل على الجائزة العظمى التي أعدها لعباده وأوليائه الصالحين الصائمين القائمين المخلصين.
  يريد الله تعالى منا أن نحيي هذه الليالي كلها بتلاوة القرآن العظيم؛ لننال الأجر الجسيم، ويريد الله منا أن نتقرب إلى الله بالصلوات النوافل فقد قال رسول الله ÷: «فرض اللّه ø صيامه، وجعل قيامَ لَيْلَةٍ منه بتطوع صلاة كمن تطوع سبعين ليلة فيما سواه من الشهور»(١).
  ويريد الله أن تؤدي فيه الفرائص بإتقانٍ إذ يقول رسول الله ÷: «من أدى فريضة من فرائض اللّه ø فيه كمن أدى سبعين فريضة من فرائض اللّه ø فيما سواه من الشهور»(٢).
(١) من حديث طويل قاله رسول الله ÷ في خطبة خطبها في آخر جمعة من شهر شعبان رواه الإمام أبو طالب في أماليه عن أميرالمؤمنين علي #.
(٢) تقدم تخريجه.