درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

دائرة / الجمعة الأخيرة من شهر رمضان

صفحة 194 - الجزء 1

  إلى الدنيا ونسوا أو تناسوا الآخرة، خرجوا من النهج القويم والصراط المستقيم، وتركوا العمل بالقرآن العظيم وسنة الرسول الكريم محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، ولكن الله تعالى يقول وقوله الحق: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}⁣[المائدة: ١٠٥]، فعلينا أن نسعى جاهدين في طلب المغفرة والقبول، وأن نستدرك في هذه الأيام العظيمة وهذه الليالي المباركة ما قد فوتناه في هذا الشهر، وذلك بإقامة الواجبات حق القيام، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأداء الصيام، والقيام بما دُعينا إليه من قراءة القرآن وملازمة الأدعية والتضرع إلى الله وإعلان التوبة، فقد أمرنا الله بالدعاء ووعدنا بالإجابة؛ إذ يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}⁣[غافر: ٦٠]، وأمرنا كذلك بالتوبة؛ إذ يقول: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}⁣[التحريم: ٨]، ووعد بقبولها وبالعفو عن السيئات فلعل الله تعالى يرحمنا ويتقبل منا ويرضى بذلك عنا فهو الكريم العظيم.

  ألا وصححوا عزائمكم وجدوا واجتهدوا على الطاعة المطلقة في هذه الأيام وهذه الليالي المباركة، واعمروا جميع أوقاتكم بالعبادة، واحترزوا من الرياء فإن الله تعالى يعلم منكم الباطن والظاهر، وارغبوا إلى الله في التوبة النصوح فإنه تعالى للذنوب غافر، وقدموا من دنياكم ما تهنأونه غداً في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأرجعوا الدم في وجوه المساكين، أشبعوا فيهم الجائع واكسوا منهم العريان، واستروهم ليستركم الله من النار، واحذروا أن تستميلكم الدنيا فإنها كما تعلمون فانية، وشمروا عن ساق الجد بصدق القصد فإن الآخرة آتية.

  فيا أيها المفلس من الحسنات، قم على باب الله الكريم، فإن العطايا مواهب، ويا أيها المذنب، هذه أوقات مغفرة الذنوب ونيل المآرب، ويا أيها العبد المطيع الصادق، هذه أوقات تضعيف الحسنات، ويا أيها الطالب، هذه أوقات المطالب فيها تسكب العبرات، ويا أيها الراغب، ما الذي تنتظره وأنت في ليالي التجليات.