خطبة في توضيح منافع الحج وفوائده
  لرسالة خليله إبراهيم #، داعية الإيمان السائح في الأرض برسالة التوحيد، اتجه إبراهيم # من الشام يصطحب معه زوجته هاجر وولده إسماعيل $؛ ليسكنهما في أرض السلام وبلد الإيمان، أراد أن يسكنهما هنالك في الوادي الجديب، بين أمواج الجبال ومتراكم الكثبان، حيث لا ماء يجري ولا أرض تزرع ولا قوافل من الركبان تقصده؛ إذ لم يكن أحد يحسب لتلك البقاع الخالية من مظاهر الرغد والحضارة أي حساب، ولكن الله تعالى هو الذي يخلق ما يشاء ويختار.
  فيرى إبراهيم # تلك الجبال الجديبة والصحارى القاحلة، فيرفع يديه بالتضرع والدعاء إلى الله فيقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ٣٧}[إبراهيم].
  ولوثوق إبراهيم # بالله تعالى يعود إلى الشام تاركاً زوجته وولده في تلك الأرض الخالية حتى من ماء الشرب، فيمكث إسماعيل ما شاء الله أن يمكث، وإذا بذلك الوادي يتفجر عن عين مباركة عظيمة تروي الوافدين، وآية تبشر بمجد هذا الولد المبارك (وهي بئر زمزم المباركة).
  وظل هنالك في أرض الرسالات ليكون عوناً لأبيه في بناء كعبةٍ تهفو إليها قلوب الموحدين، وقبلةٍ تتوجه نحوها أنظار المسلمين، ومزارٍ يحجه القاصدون.
  وعاد إبراهيم # مرة ثانية ليلتقي بإسماعيل # وليبنيا معاً بيتاً للعبادة، فيتعالى صرح البناء وترتفع القواعد ويشمخ رمز التوحيد في قلب الجزيرة، أول بيت وضع للناس ببكة، وضع للحج والعبادة فكان قدساً مطهراً وحرماً آمناً تجبى إليه ثمرات كل شيء.
  فصار البيت بيت الله رمز الإيمان وموضع العبادة والتقديس ومحل الحج وبيت الضيافة والوفادة على الله، فالحالُّ في فنائه حال في رحاب الله.
  وبعد إكمال بنائه بالأحجار ظلا يعمرانه بالعبادة والتقديس، ويرمقانه بالإجلال