خطبة فيها ضرورة الإيمان بالمعاد وأنه السبيل لالتزام الإنسان بمنهج الله
  وما يعمله إرضاءً لشهواته ومطامعه، من تسلط على الضعفاء وقتل للأبرياء، وأخذ وأكل أموال الناس بالباطل، والتنكر للدين والعقيدة، والتهاون بالصلوات والصيام والزكاة والحج وجميع الفرائض، والإقدام على كل المحرمات والمظالم التي لا تحصى كثرة في كل عصر ومصر، فهل سيسدل الستار عليها إلى الأبد وكأنها لم تكن بدون أن يعوض الله من ناله من ذلك شيء؟ وهل يعيش الظالم والمفسد في الأرض يعبث في الأرض هل سيموت وينتهي كل شيء؟ وهل من تنكر لدينه وعقيدته، وأغوى الناس عن منهج الله وردهم إلى طريق الشيطان هل ستذهب هذه الأعمال سداً؟! كلا، إن هذا لا ينسجم مع عدل الله وحكمته وغايته من خلق الناس، إن الله تعالى خلق الإنسان ووهبه فأعظم هبته، وكلفه ليختبر طاعته ويقربه من كماله الذي أراده الله له؛ إعلاءً لشأن الإنسان وتكريماً لإنسانيته، وليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
  فنظراً إلى ما أشرنا إليه من قلة المخلصين الذين عرفوا الله فقدروه حق قدره، وعرفوا أنه أهل للعبادة فعبدوه، فإن السبيل إلى دفع الناس إلى تطبيق منهج السماء وقبول التعاليم الربانية والقوانين الإلهية - بدون مخالفة أو تهاون ولو كانت معارضة لشهواتهم وأهوائهم - هو الإيمان بالمعاد والبعث والحساب، فلا سبيل بدون حافز من الرغبة والطمع في التعويض العظيم على ذلكم التطبيق، أو الخوف والرهبة من العقاب الشديد الموعود به على المخالفة والاستهانة بالأوامر الإلهية، ويكون ذلكم الحافز كامناً في أعماقه ومصاحباً له في كل حالاته وفي سره وعلنه، ألا وهو الإيمان والعلم والعقيدة باليوم الآخر، بما يرمز إليه من ثواب وعقاب لا حدود لهما ولا نهاية، ذلكم اليوم الذي يثيب الله فيه المؤمن العامل بدار خلوده، {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ٢٨ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ٢٩ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ٣٠ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ٣١ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ٣٢ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ٣٣ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ٣٤}[الواقعة] {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ١٠ لَا