كل ذي نعمة محسود
  الجاهلون على نورهم لذة الهدى، ويجد الظالمون على نخوتهم مرارة العدل.
  من تتبع هذا وما إليه يرى أن بني هاشم مهيؤون بتكوينهم وبطبائعهم للنظر في أمر العامة، يقودونهم بالمثل الصالحة إلى إنشاء مجتمع صالح، وحياة صالحة تعتمد على مقوماتها الصالحة.
  وكان هاشم وأبناؤه مراتب في إعداد الناس ليوم يعلو فيه صوت النبي محمد ÷ بالدعوة إلى الرسالة الكبرى، التي كانت أتم صورة لأعلى دور من أدوار نضجهم وكمالهم وامتيازهم، وليس من عدل الاتفاق ولا من تأليف الصدف في شيء، أن يتفق جد وأولاد وأحفاد بعد أحفاد في أزمنة مختلفة على سمت واحد وهدي واحد، من الخلق والغرض والعمل في الإصلاح والخلق والتقويم، ولم يكن ليتفق ذلك على هذا النحو المطرد؛ لولا ذلك التهيؤ الذي يُعِدُّ الناس ليوم ويَعِدُهم بيوم كيوم محمد ÷، وبحركة إصلاحية كحركة محمد ÷، وذلك ليجعل الله نبوة محمد طبيعية تتخطى أدوارها بغير طفرة، وليجعله نبيلاً في مغرسه لا يرتاب في نبوته ذو نظر، ثم ليجعل من آياته علو ذلك البيت الذي يخرج منه ذلكم النبي بمثل تلكم النبوة الخالدة، فمما لا سبيل إلى الجدل فيه.
  إن العظمة الهاشمية بمظاهر السيادة والعبقرية، تستدعي الحسد وتثيره في نفوس الأمويين، ومن الحق أنَّ وضْع هاشم وبنيه في كفة تقابل كفة فيها أمية وبنوه - من الحق أن هذا من الظروف الغاشمة الظالمة، الدالة على بواخ منطق الدنيا وبواره، وتدل على ضياع المقاييس الصحيحة التي ترتفع بأقدار الناس أو تهبط بها على مقدار ما فيها من وزن الحقائق، ومن الحق أن النسبة بين القبيلين منقطعة، وإن كان لا بد من نسبة فلتكن تبايناً.
  أيها الأحبة، لنتصفح التأريخ ولنستمع وإياكم لما يقوله المؤرخون كالجاحظ والطبري في ترجمة عبدالمطلب، وابن سعد في طبقاته، والبلاذري في أنساب الأشراف، يحكي ما يحكي عن ابن الزبير بالرغم من بغضه المشهور لبني هاشم