[خطبة في عاشوراء]
  إماء، لا يملكون في جنب أوامره مالاً ولا عرضاً، وقتل من امتنع عن هذه البيعة.
  أما في السنة الثالثة والأخيرة من ملكه المشؤوم، فقد حاصر الكعبة المشرفة ورماها بالمنجنيق، وأباح القتل الحرام في البلد الحرام وفي الشهر الحرام، وذلك حينما لجأ إليها ابن الزبير، فرمى الكعبة بالنار وأحرق أستارها وسقفها، وبقيت النار مضطرمة فيها أحد عشر يوماً.
  هذه أيام حكم يزيد، ولولا أن الله فرج عن الدين وعن المسلمين بهلاكه في تلكم السنة لكان ما لم يخطر على قلب مسلم.
  ألا وإن من أسوأ ما قام به في يوم عاشوراء بالذات - هي الفاجعة الكبرى والجريمة النكراء، أبشع جريمة عرفها التاريخ، والتي لا ولن تنسى أبداً، فهي كما يقال: جمرة تتوقد في قلب كل مؤمن، فماذا عملوا ذلك اليوم يا ترى؟!
  إنهم سفكوا فيه أقدس الدماء، وقتلوا فيه أشرف الذوات الإنسانية، قتلوا فيه سبط رسول الله ÷ وريحانته، من قال فيه جده المصطفى ÷: «حسين مني وأنا من حسين»(١) قتلوا في ذلك اليوم الإمام الشهيد المظلوم المجاهد في سبيل الله، المنتصر لدين الله، لإعلاء كلمة الله وإحياء شريعة الله، قتلوا الإمام الحسين بن علي @، وقتلوا فيه مجموعة من أقاربه وأهل بيته، وقتلوا عصبة من أنصاره الأوفياء، الذين بذلوا أنفسهم معه رخيصة في سبيل الله والدفاع عن دينهم وحريتهم وكرامتهم، وعن إمامهم القائم لرفع شأن الإسلام والمسلمين، والمجاهد في سبيل إنصاف المظلومين من الظالمين، قتلوا أولائكم الأبرار الأتقياء، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، كما قتلوا فيه الأطفال والنساء، ومثلوا بالشهداء، رَضُّوا بخيولهم تلكم الجثث الطاهرة، فلهذه المجازر العنيفة وهذه الأحداث الرهيبة، ولهذه الجرائم البشعة، حولوا مفهوم المحرم وعاشوراء إلى أيام حزن وبؤس؛ لما لاقى الحسين وآل الحسين وأنصار الحسين.
(١) رواه الإمام المرشد بالله في الأمالي الاثنينية عن سعيد بن أبي راشد.