درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[خطبة في ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي رضوان الله عليه]

صفحة 303 - الجزء 1

  وعن علي # من سياق حديث قال: حدثني رسول الله ÷ «أنه يولد لي مولود ما وُلِدَ أبوه بعد يلقى الله غضباناً وراضياً له على الحق، حقاً على دين جبريل وميكائيل ومحمد صلى الله عليهم، وأنه يُمَثَّل به في هذا الموضع مثالاً ما مُثِلَ بأحد قبله، ولا يمثل بأحدٍ بعده صلوات الله على روحه وعلى الأرواح التي تتوفى معه»⁣(⁣١) وكان في الكناسة آنذاك.

  هذه نبذة يسيرة من كراماته تدل على فضله وعظمته.

  وأما سبب مقتله فإنه سلام الله عليه رأى خلافة الله في الأرض قد تحولت إلى ملك عضوض، ورأى شريعة الله قد تحولت إلى طاغوت أحمر، ورأى السنة قد أميتت وحل محلها البدع المنكرة، فلذلك قام داعياً إلى إحياء دين الله وإعلاء كلمة الله وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

  وكان قد بايعه خمسة عشر ألف مقاتل من أهل الكوفة خاصة سوى أهل المدائن والبصرة والموصل وخراسان وغيرها، وكانوا يقولون له حين أراد الخروج من الكوفة؛ لعدم الثقة بهم - كانوا يقولون: كيف تخرج وبين يديك مائة ألف سيف؟ ولكنه وفي المعركة الحاسمة والتي كان فيها مصرعه لم يبق ممن بايعه وغيرهم سوى مائتين وثمانية عشر رجلاً، وقد أبلوا معه بلاء حسناً، وقاتل هو بنفسه قتالاً شديداً، وقَتَلوا من أصحاب يوسف بن عمرأعداداً هائلة.

  ورماه داود بن كيسان بنشابة فأصاب جبينه، فأمر الطبيب أن ينزعها فعرَّفه إن هو نزعها فإنه يموت من ساعته فعهد عهده وأوصى وصيته.

  وكان من وصيته لولده يحيى بن زيد أن قال: «يا بني، جاهدهم فوالله إنك لعلى حق، وإنهم لعلى باطل، وإن قتلاك في الجنة، وقتلاهم في النار»، ثم نزعت منه النشابة فقضى نحبه رضوان الله عليه، وكان ذلك عشية الجمعة لخمس بقين


(١) رواه الإمام المرشد بالله في الأمالي الاثنينية عن حَبَّةَ الْعُرَنِي عن حذيفة بن اليمان، ورواه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في كتاب الرسالة النافعة وفيه بدل «غضباناً» «غاضباً».