درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

فضل النصيحة وحسن المعاملة

صفحة 46 - الجزء 1

  فيا أيها المؤمنون لنقف خاشعين ولنستمع هذه الوصية العظيمة التي من أمير المؤمنين علي #.

  أيها المؤمنون، لقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه صلوات رب العالمين أنه قال من وصية له إلى ولده الحسن بن علي # وهي في الواقع وصية لعامة البشر، فإن من عمل بوصاياه نال سعادة الدنيا والآخرة.

  قال #: (امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة) ثم يقول له: (وتجرع الغيض فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ مغبة).

  نصيحتان مختصرتان، ولكنهما عظيمتان، الأولى قوله: «امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة» نعم، لقد كان للنصيحة قيمتها وأهميتها يوم كان الود بين المسلمين قائماً، والتحابب بينهم سارياً، وكلمتهم واحدة على الحق، عرفوا الحق فاتبعوه، وأحبوا الحق وحرسوه ونشروه، واستمسكوا بالحق وعاشوا عليه وماتوا في سبيله، يوم كان المسلم يلتقي مع أخيه المسلم ليقدم له النصيحة التي يراها لنفسه، حيث كانت الروح الإيجابية تتفاعل فيما بين الأخوين المسلمين وكانوا يعيشون كالجسد الواحد، كان كل واحد من المسلمين يحسب كل مسلم صادق في إسلامه يحسبه أخاه بل كنفسه، يندفع كل واحد في سبيل بذل النصيحة لأخيه؛ لأنها تحمل الود والخير وتوجه المنصوح للصلاح والفلاح والسعادة.

  وكان المتوجه إليه النصيحة كان يتقبلها برحابة صدر ووعي كامل، ويصغي إليها ويعطيها أهمية كبرى، يحرك فكره فيها ويأخذها بعين الاعتبار.

  هكذا كان المسلمون وهكذا كانت النصيحة مقبولة، أما في زمننا هذا الذي تفرقت فيه القلوب وكثر فيه الاختلاف وصار أهل الحق فئة قليلة، فكثيراً ما يتجنب الناصح ولا يجرؤ على بذل نصيحته؛ لأنه يعلم أنها سوف ترفض أو تأتي بشر قبيح على الناصح.

  وهذا يعود تارة للناصح للشك في إخلاصه، أو لنفس المنصوح حيث يجد