[خطبة في التعريف بالحق]
  إسرائيل وعدَّ هذا العمل من الرذائل التي ارتكبوها حيث قال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}[البقرة: ٨٥].
  ثانياً: أنهم قلدوا في دينهم وأخذوه عن أفواه الرجال، ونسوا أو تناسوا أن الكتاب وتراجمته أصل يرد إليه غيره كما قال الله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[النساء: ٥٩].
  ثالثاً: أنهم جهلوا أو تغافلوا عن أن الخير كل الخير في اتباعه والعمل بتعاليمه السامية، كما قال ربنا تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ١٥٥}[الأنعام].
  فتعاليم القرآن يجب أن تؤخذ جملة سواء منها ما يتعلق بالفرد أم بالمجتمع، إن هذا الكتاب يمنحنا نظاماً مستقلاً للحياة ذا صبغة ووجهة خاصة صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة، ومن أصدق من الله قيلاً.
  فيا ترى ما بال أكثر الناس قد أعرضوا عن الحق وضلوا عن سبيله ضلالاً بعيداً! ولم يكتفوا بذلك بل عادوه وحاربوه وحاربوا أهله، فهذا أمر مؤسف.
  نعم، قد أكد القرآن هذه الحقيقة المؤلمة وهي أن أكثر الناس يكرهون الحق مما يفضي بهم إلى سخط الله وعذاب جهنم، فاسمعوا معي إلى ما يقول القرآن في هذا الشأن قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ٧٤ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ٧٥ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ٧٦ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ٧٧ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ٧٨}[الزخرف].
  لقد جهل الناس بالحق فعادوه وقديماً قيل: «الناس أعداء ما جهلوا»، وفي الأثر: «من جهل شيئاً عاداه»، قال الله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ٢٤}[الأنبياء]، وقال: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}[يونس: ٣٩].
  ثم إن اتباع الهوى هو من أهم الأسباب الصادة عن الحق، فالهوى يعبده