في ذكر الموت وفي الحث على الاستقامة على النهج القويم والصراط المستقيم
  فالموت حتم ولا محيص عنه وإن تطاولت الآجال، ولا مفر منه فسواء من كان منا في الحصون المنيعة أو القلاع المتينة أو في بطون الأودية أو الشواهق من الجبال، قال الله ø: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[النساء: ٧٨]، وقال تعالى: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ٤٩}[يونس].
  ولو نجا أحد من الموت لبسطة في جسمه أو قوة في بدنه أو وفرة في ماله أو سعة في ملكه - لنجا كثير من الجبابرة من ذوق الموت ومِحَنِه، ولكن الذي تفرد بالبقاء إنما هو الله الواحد الأحد الديان، وإلا فأين كنعان وفرعون وهامان؟ أين من ملكوا الدنيا وظنوا أنهم خالدون؟ أين من قال الله فيهم: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠}[النمل]؟ هجم على الكل منهم الموت فهم في بطن الأرض موسودون، ولم يرحلوا منها لِتُخَلَّدوا، ولم تهدم حصونهم لِتُشَيِّدُوا، بل هم السابقون وأنتم بهم لاحقون، بل أنتم أقصر منهم أعماراً، وربما أكثر أوزاراً وأضعف قوة، فتيقضوا رحمكم الله.
  واعلموا أن متاع الدنيا قليل، وأنكم ستحاسبون وتحاكمون على الكثير والقليل وعلى النقير والفتيل، وأنكم ستجدون ما قدمتم في كتاب مسطور ورق منشور، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون.
  فكونوا من الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، وكونوا من الذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً، وكونوا من الذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.
  أيها المؤمنون، إن علينا أن نصلح أعمالنا وأن نجعلها خالصة لوجه الله، وأن نأمر بالمعروف الأكبر، وأن نتناهى عن الفحشاء والمنكر، ونقوم بأداء ما أوجب الله وفرض علينا وأن نتجنب ما نهانا الله عنه؛ لنسعد في الدنيا وفي الآخرة، وقد رسم الله لنا منهجاً نسير عليه، وخطة نلتزمها في سلوكنا مع الله ø ومع الناس ومع أنفسنا، وهذا المنهج يتلخص في صحة العقيدة من الإيمان بالله