درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

في ذكر الموت وفي الحث على الاستقامة على النهج القويم والصراط المستقيم

صفحة 71 - الجزء 1

  وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالغيب كله، فالالتزام بهذا المنهج وهذه الخطة الإلهية هو المعبر عنها بالاستقامة، وقد أشار تعالى إلى ذلك حيث يقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٥٣}⁣[الأنعام]، أخبرنا أن صراطه تعالى الذي جعله منهجاً للسالكين مستقيم لا عوج فيه، وأن علينا أن نتبعه فإنا إذا اتبعناه وسرنا عليه - لا نحيد عنه قيد أنملة، ويكون ذلكم السلوك باقتناع - فإننا نأمن إن شاء الله في الدنيا من الزيغ والضلال، ونسعد بنعيم الله ورضوانه في الآخرة.

  وإذا انحرف الناس عن صراط الله واتخذوا طرقاً أخرى ابتدعوها من تلقاء أنفسهم، تفرقوا عن سبيل الله وحادوا عنه، واستحقوا الضلال، وتعرضوا للنكال، وسبب ذلك إعراضهم عن هداية الله.

  فالاستقامة على هذا المنهج من شأنها أن ترقى بالإنسان وتصل به إلى الذروة من الكمال، وتحفظ عقل الإنسان وقلبه من أن يتطرق إليهما الفساد، وتحفظ نفسه عن التردي في مهاوي الرذيلة، ولهذا اهتم الإسلام بها اهتماماً بالغاً، وأولاها عناية خاصة، فقد دعانا إلى الاستقامة وجعلها أعلى المقامات، والأسلوب في الدعوة إلى الاستقامة أسلوب عظيم يستهوي الأفئدة ويؤثر في النفوس، ويحملها على التزام الاستقامة والتعلق بأهدابها، قال الله العظيم في كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ٣٠ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ٣١ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ٣٢}⁣[فصلت].

  فالمؤمنون الصادقون في إيمانهم والمستقيمون على هذه الطريقة القويمة والخط الذي رسمه الله لعباده، تتنزل عليهم الملائكة الكرام عند الموت وتقول لهم: لا تخافوا مما أمامكم من الأهوال والأفزاع ومن عذاب الآخرة، ولا تحزنوا على ما تركتم وراءكم من أموال وأولاد، وأبشروا بالجنة التي وعدكم الله بها.