درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[في صفات المتقين]

صفحة 85 - الجزء 1

  إننا في زمن ترى أغلبية أهله كذئاب في جلود الضأن كما يقال، إننا في زمن كثرت فيه الفتن، وأحييت فيه البدع وأميتت فيه السنن، إننا في زمن كثر فيه المنافقون الضالون المضلون، ترونهم يعمدونكم بكل عماد، بينما هم يرصدونكم بكل مرصاد، يمشون الخفاء ويدبون الضراء، وصفهم دواء وفعلهم الداء العياء، إن سألوا ألحفوا، وإن عذلوا أكشفوا، وإن حكموا أسرفوا، قد أعدوا لكل حق باطلاً، ولكل قائم مائلاً، ولكل حي قاتلاً.

  قد أعدوا لكل باب مفتاحاً ولكل ظلمة مصباحاً، يتوصلون إلى الطمع باليأس؛ ليقيموا به أسواقهم، وينفقوا به أعلاقهم، يتظاهرون بالتقوى وهم عنها بعيدون، ويتحلون بحسن الأخلاق وفي قلوبهم غير ما يظهرون، وإنما يريدون بهذا وذاك كسب الثقة من الأغبياء ليتمكنوا من بث سمومهم ونشر عقائدهم، دأبهم اتباع متشابه القرآن ابتغاء الفتنة لما بهم من الزيغ ومرض القلوب، يتلقون المال من أعداء الإسلام ثمناً لضمائرهم ودينهم.

  فنتواصى جميعاً بتقوى الله ومراقبته، فإنه تعالى رقيب علينا وقريب منا، يعلم أفعالنا ويرى حركاتنا ويسمع أقوالنا، ويطلع على أسرارنا وما تكنه نفوسنا، فنحن في قبضته وقلوبنا ونواصينا بيده، لا طاقة لنا عن التستر عنه بأي حال، ولا على الخروج من سلطانه في حل أو ترحال، لننجوا من عذابه ونأمن من الأفزاع والأهوال، اسمعوا ما يقول الله ذو الجلال: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}⁣[إبراهيم: ٤٤].

  ثم اسمعوا ماذا سيكون الجواب عليهم؟ إنه يقول: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ ٤٤ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ ٤٥ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ٤٦}⁣[إبراهيم].

  فمن علامة القبول للطاعات تعظيم ما عظم الله وتصغير ما صغر الله، والرجاء