[ولاية الإمام في الواجبات على من لم تنفذ أوامره عليه]
  وأما المفتي فلا يخلو إما أن يكون حاله حال الآخذ والصارف، وإلاّ فمن البدع الشنيعة والأمور الفظيعة ما ظهر من أهل الزمان من التصدي للفتوى والخبط فيها خبط العشوى من دون أن ينتظم المفتي في سلك أهل الانتقاد الفارقين بين الصحيح والسقيم، ومن كان كذلك فحقه السكوت كما قيل: ليس بعشك فادرجي.
  وخير أمور الناس ما كان سنةً ... وشر الأمور المحدثات البدائع
  وقد تجرم الإمام عز الدين ممن حاله كذلك، وتوعّد لولا الرجوع إلى العفو والإغضاء، مع أنه يقال للمفتي: إن كان مطمح نظرك كلام أهل المذهب، وليس وراءه عندك مأرب ولا مذهب، فما المانع - إن كان مطلبك رضاء اللّه بالفتوى - أن تفتيهم بالأفضل عند أهل المذهب؟ وتبيَّن لهم أن للإمام أن يلزم الناس مذهبه فيما يقوي به أمره، ويوصل مآربه، كما هو نص أهل المذهب، أين أنت عن الإلزام بوجوب الالتزام؟ وكان عليك أيضاً أن تعلمهم أن التسليم إلى الإمام أحوط، وأخذٌ بالإجماع وخروجٌ من الورط، وأن صاحبها يكون مشاركاً في أجر الجهاد، وثواب النزال والجلاد، ولهذا كان تسليمها عندهم إلى الإمام أفضل؛ لأنه يصرفها في المصالح العامة، والعائد نفعها على كافة الأمة، ولهذا جاء عن النبي ÷ أنه يقال للعابد: «ادخل الجنة وحدك؛ فإن عبادتك إنما كانت لك وحدك، ويقال للعالم: ادخل الجنة واشفع لمن شئت أن تشفع؛ فإن نفع عبادتك بالتعليم كان لك ولغيرك»، بخلاف الدفع إلى الفقير فالمصلحة فيه خاصة وهي سد خلته مع أنه يمكن الأخذ بالطرفين بأخذ الإذن من الإمام.
  ولما كان التسليم إلى الإمام مستجمعاً لهذه الفضائل - حرص الشيطان على ترك التسليم إليه، وقد حذر اللّه تعالى عن ذلك فقال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: ٢].