[الفصل الثالث في الوعد والوعيد]
  فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ٦ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ٧}[البينة] الآية وغيرها.
  المسألة الثالثة: أن من توعده اللّه تعالى من الفساق بالنار، ومات مصراً على فسقه غير تائب؛ فإنه صائر إلى النار، ومخلدٌ فيها دائماً.
  والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ٢٣}[الجن]، وقوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ١٣ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ١٤ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ١٥ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ١٦}[الإنفطار]، وغيرها من الآيات العامة والخاصة بفساق أهل القبلة، فيجب القطع بصدق ما تناوله الوعد والوعيد لقوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}[ق].
  فإن قيل: قد خصصت عمومات الوعيد بأهل الصغائر وبالتائبين قطعاً لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١] الآية ونحوها، وقوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ٨٢}[طه] الآية ونحوها.
  قلت: صحيح فيجب العمل بالخاص فيما تناوله، وبالعام فيما بقي.
  فإن قيل: دلالة العموم بعد التخصيص ظنية.
  قُلنا: لا نُسلّم وهلم الدليل، وليس إليه من سبيل، ولنا التبرع ببيان مستند المنع، وهو أن يقال: الأصل القطع في كل ما جاءنا عن اللّه تعالى ورسولِه لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧] وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣}[النور] ولم يُفَصِّل بين عامٍ وخاصٍ، وإنما خصَّص العمومات في مسائل الفروع الإجماعُ، ومسائلُ الأُصولِ باقيةٌ على حكمِها.
  ودليلٌ آخر: وهو إجماع أهلِ البيت $ على القول بخلود أهل الكبائر، وإجماعهم حجة قطعيّة كما هو مذكور في مواضعه بل هو حجة الإجماع.