[الفصل الثالث في الوعد والوعيد]
  فإن قيل: قد قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: ٥٣] الآية وغيرها؟
  قلت: مجملةٌ، وآية التوبة مُبَيِّنَة، والواجب الرجوع إلى المبين، أو مطلقة مقيّدة بها، والواجب حمل المطلق على المقيد، أو عامة مخصصة، والواجب بناء العام على الخاص، وقد قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ}[الزمر: ٥٤]، وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}[الأعراف ١٥٦] وكذلك سائر الآيات الكريمة.
  المسألة الرابعة: أن أهل الكبائر من هذه الأمة كشارب الخمر والزاني ونحوهما يسمون فُسّاقاً، ولا يُسمون كفاراً خلافاً للخوارج، ولا يُسمون مؤمنين خِلافاً للمرجئَة.
  حجّتنا على الخوارج: تحريم مناكحة الكفار والموارثة والدفن في مقابر المسلمين بخِلاف الفساق.
  وحجتنا على المرجئة: أنَّ المؤمنَ يستحقُّ الثواب والتعظيم بخِلاف الفاسق، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٢}[الأنفال] ... الآية ونحوها، وهذه ليست بصفات الكفار ولا الفساق.
  المسألة الخامسة: أن شفاعة النبي ÷ لا تكون لمن يستحق النار من الكفار ولا الفساق بل هي للمؤمنين ليزيدهم اللّه بها تشريفاً.
  والدليل على ذلك: قوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ١٨}[غافر]، والفاسق ظالم لنفسه لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ١١}[الحجرات] وقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء: ٢٨] وغيرها من الآيات، فثبت بذلك أنها للمؤمنين خلافاً للمرجئة، حجتنا عليهم ما مر، ويقال لهم: ما تقولون؟ هل يحسن من العبد سؤال اللّه تعالى أن يدخله في شفاعة النبي ÷ أم لا؟