[الفصل الثالث في الوعد والوعيد]
  فإن قالوا: لا، خالفوا الإجماع، وإن قالوا: نعم، قلنا: يلزمكم على مذهبكم أن يسأل اللّه تعالى أن يميته فاسقاً، فما بقي إلا أنها للمؤمنين.
  فإن قيل: قد قال اللّه تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود: ١٠٧]، وقال النبي ÷: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».
  قلنا: معنى الاستثناء في الآية الكريمة: إلا وقت الوقوف في المحشر، وأما الحديث فيجب طرحه، والحكم بعدم صحته؛ لمصادمته البراهين القطعية،
  وقد عورض بمثل ما رواه الحسن عنه ÷ أنه قال: «ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»، ولئن صح(١) وجب تأويله بالتائب؛ جمعاً بين الأدلة، ورداً للمظنون إلى المقطوع به وقد قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ١٢٣}[النساء: ١٢٣] والشفيع ولي ونصير.
  المسألة السادسة: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على قدر الطاقة والإمكان إذا تكاملت شروطهما لقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ١٠٤}[آل عمران] وقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ٧٨ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ٧٩}[المائدة] وقال تعالى حاكياً ومقرراً: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ١٧}[لقمان] الآيات وغيرها.
(١) الأولى قوله: «ولو صح»؛ لأن مثل هذا لا يصدر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، فضلاً عن أنه يفيد أن الشفاعة مقصورة على الفاسق التائب، دون من لازم الإيمان.