العتبة المنبرية في الأدلة الخطابية،

عبد الله بن يحيى العجري (معاصر)

ثالثا: أقوال في التقوى والمتقين

صفحة 120 - الجزء 1

  وظهور كتاب تبدو فيه فضائح ذنوبهم، فكادت أنفسهم تسيل سيلاناً، وتطير قلوبهم بأجنحة الخوف طيراناً، وتفارقهم عقولهم إذا غلت بهم مراجل المرد إلى اللّه ø غلياناً، يحنون حنين الواله في دجى الظلم، ذبل الأجسام، حزينة قلوبهم، كالحة وجوههم، ذابلة شفاههم، خميصة بطونهم، تراهم سكارى وليسوا بسكارى، هم سمار وحشة الليالي، متخشعون قد أخلصوا لله أعمالهم سراً وعلانية، فلو رأيتهم في ليلهم ونهارهم، وقد نامت العيون، وهدأت الأصوات، وسكنت الحركات من الطير في الوكور، وقد نهنههم يوم الوعيد، ذلك قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ}⁣[الأعراف ٩٧]، فاستيقظوا لها فزعين، وقاموا إلى مصافهم يعولون، ويبكون تارةً، ويسبحون ليلة مظلمة بهماء، فلو رأيتهم يا أحنف قياما على أطرافهم، منحنية ظهروهم على أجزاء القرآن لصلواتهم، إذا زفروا خلت النار قد أخذت منهم إلى حلاقيمهم، وإذا أعولوا حسبت السلاسل قد صارت في أعناقهم، ولو رأيتهم في نهارهم إذا لرأيت قوماً يمشون على الأرض هوناً، ويقولون للناس حسناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، وإذا مروا باللغو مروا كراماً، أولئك يا أحنف انتجعوادار السلام التي من دخلها كان آمناً، فلعلك شغلك يا أحنف نظرك إلى وجه واحد تبيد الأسقام غضارة وجهها، ودار قد اشتغلت بتقريب فراقها، وستور علقتها، والرياح والأيام موكلة بتمزيقها، بئست لك داراً من دار البقاء، فاحتل للدار التي خلقها اللّه ø من لؤلؤة بيضاء، فشق فيها أنهارها، وغرس فيها أشجارها، وأظل عليها بالنضج من ثمارها، وكنسها بالعواتق من حورها، ثم أسكنها أولياءه، وأهل طاعته، فإن فاتك يا أحنف ما ذكرت لك فلترفلن في سرابيل القطران، ولتطوفن بينها وبين حميم آن، فكم يومئذٍ في النار من صلب محطوم، ووجه مشؤوم، ولو رأيت وقد قام مناد ينادي: يا أهل الجنة، ونعيمها، وحليلها، وحللها خلوداً لا موت فيها. ثم يلتفت إلى أهل النار، فيقول: يا أهل النار، يا أهل السلاسل والأغلال، خلوداً لا موت. فعندها انقطع رجاؤهم، وتقطعت بهم الأسباب، فهذا ما أعد اللّه ø للمجرمين، وذلك ما أعد اللّه للمتقين).

  ١٥ - روي أن أمير المؤمنين # قال فى صفة التقوى: (هى دواء داء قلوبكم، وبصر عمى أفئدتكم).