ثالثا: أقوال في الدنيا
  فأما من وصل إلى السفينة مثقلا بما أخذه من الازهار والفاكهة اللذيذة، والاحجار المعجبة، فإنها استرقته وشغله الحزن بحفظها والخوف من ذهابها عن جميع أموره، وضاق عليه بطريقها مكانه، فلم تلبث أن ذبلت تلك الازهار، وفسدت تلك الفاكهة الغضة، وكمدت ألوان الاحجار وحالت، فظهر له نتن رائحتها، فصارت مع كونها مضيقة عليه مؤذية له بنتنها ووحشتها، فلم يجد حيلة إلا أن ألقاها في البحر هربا منها وقد أثر في مزاجه ما أكله منها، فلم ينته إلى بلده إلا بعد أن ظهرت عليه الاسقام بما أكل وما شم من تلك الروائح، فبلغ سقيما وقيذا مدبرا، وأما من كان رجع عن قريب وما فاته إلا سعة المحل، فإنه تأذى بضيق المكان مدة، ولكن لما وصل إلى الوطن استراح، وأما من رجع أولا فإنه وجد المكان الاوسع، ووصل إلى الوطن سالما طيب القلب مسرورا.
  ٨٩ - لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث: أنه لم يتمتع بما جمع، ولم يدرك ما أمّل، ولم يحسن الزاد لما قدم عليه.
  ٩٠ - رُبَّ معتزل للدنيا ببدنه مخالطها بقلبه. ورُبَّ مُخالطٍ للدُّنْيَا ببدنه، مُفارقُها بقلبه، وهو أكْيَسُهُما.
  ٩١ - محبّ الدنيا أعمى لَم ينِّوره العقل.
  ٩٢ - سرورك بالدُّنيا أذهبَ سرورك باللَّه [عن قلبك].
  ٩٣ - حرام عَلَى قلبٍ مأسور بحبّ الدّنيا أن يسيح فِي رَوْح الغيوب.
  ٩٤ - الدنيا قد تنكّرت حتى صار الموت أخفّ خُطُوبها، وخَبُثَتْ حتى صار أصغر ذنوبها، فانظر يَمْنَةً هَلْ ترى إلا محنة، ثم انظر يَسْرَةً، هَلْ ترى إلا حَسْرَةً.
  ٩٥ - الدنيا كالعروس فطالبها كماشطتها تحسن وجهها وتعطر ثوبها والزاهد فيها كضرتها تسخم وجهها وتنتف شعرها وتحرق ثوبها و العارف مشتغل بالله لا يلتفت إليها ولا يشعر بها.
  ٩٦ - قال بعض الملوك لبعض الزهاد: أذمم لي الدنيا، قال: أيها الملك، هي الآخذة لما تعطي، المورثة بعد ذلك الندم، السالبة ما تكسو، المورثة بعد ذلك الفضوح، تسد بالاراذل مكان الافاضل وبالعجزة مكان الحزمة، تجد في كل من كل خلفا، وترضى بكل من كل بدلا، تسكن دار كل قرن قرنا، وتطعم سؤر كل قوم قوما.