حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الثاني: في المسند إليه

صفحة 109 - الجزء 1

  قال:

  والالتفاتُ وَهْوَ الانْتِقالُ مِنْ ... بَعْضِ الأساليبِ إِلى بَعْضٍ قمنْ

  والوَجْهُ الاسْتِجلابُ لِلْخِطابِ ... وَنُكْتَةٍ تَخُصُّ بَعْضَ الباب

  أقول: من خلاف مقتضى الظاهر: الالتفات⁣(⁣١)، وهو عند الجمهور: التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة - أعني: التكلم، والخطاب، والغيبة - بعد التعبير عنه بغيره منها. ولا يشترط التعبير عنه بالغير على مذهب السكاكي، فهو عنده أعم⁣(⁣٢) منه عند الجمهور، فقول الخليفة: «أمير المؤمنين يأمرك بكذا» التفات على مذهبه؛ لأنه منقول عن «أنا»، لا على مذهب الجمهور؛ لعدم تقدم خلافه. فأقسامه⁣(⁣٣) ستة حاصلة من ضرب اثنين في ثلاثة؛ لأن كل قسم من الثلاثة ينقل إلى قسيميه:

  الأول: من التكلم إلى الخطاب، نحو: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}⁣[يس ٢٢] الأصل⁣(⁣٤): وإليه أرجع.

  الثاني: منه إلى الغيبة، نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ٢}⁣[الكوثر] الأصل: فصلِّ لنا.

  الثالث: من الخطاب إلى التكلم، نحو قوله [الطويل]:

  طَحَا بِكَ قلبٌ في الحِسانِ طَرُوبُ ... بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصَْر حَانَ مَشِيبُ

  يُكَلِّفُنِي ليلى وقَد شَطَّ وَلْيُهَا ... وعَادَتْ عَوَادٍ بيننا وخُطوبُ⁣(⁣٥)


(١) عرَّفه الإمام يحيى بن حمزة # في الطراز بقوله: هو العدول من أسلوب في الكلام إلى أسلوب آخر مخالف للأول. الطراز ٢/ص ٧١.

(٢) لأن النقل عنده أعم من أن يكون قد عبَّر عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة ثم عبَّر عنه بطريق آخر، أو يكون مقتضى الظاهر التعبير عنه بطريق منها - أي: الطرق الثلاثة - فعدل إلى الآخر، وعند الجمهور مختص بالأول. المطول ص ٢٨٨ تحقيق د. عبد الحميد هنداوي.

(٣) قوله: «فأقسامه ستة» تفريع للمذهبين؛ إذ الأقسام الستة جارية في كل كما لا يخفى. مخلوف.

(٤) أي: القياس.

(٥) البيت لعلقمة الفحل بن عبدة التميمي، شاعر جاهلي، انظر ديوانه ص ٣٣، والشعر والشعراء ١/ ٢٢١، والعمدة ١/ ٥٧.