الباب الثاني: في المسند إليه
  قال:
  والالتفاتُ وَهْوَ الانْتِقالُ مِنْ ... بَعْضِ الأساليبِ إِلى بَعْضٍ قمنْ
  والوَجْهُ الاسْتِجلابُ لِلْخِطابِ ... وَنُكْتَةٍ تَخُصُّ بَعْضَ الباب
  أقول: من خلاف مقتضى الظاهر: الالتفات(١)، وهو عند الجمهور: التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة - أعني: التكلم، والخطاب، والغيبة - بعد التعبير عنه بغيره منها. ولا يشترط التعبير عنه بالغير على مذهب السكاكي، فهو عنده أعم(٢) منه عند الجمهور، فقول الخليفة: «أمير المؤمنين يأمرك بكذا» التفات على مذهبه؛ لأنه منقول عن «أنا»، لا على مذهب الجمهور؛ لعدم تقدم خلافه. فأقسامه(٣) ستة حاصلة من ضرب اثنين في ثلاثة؛ لأن كل قسم من الثلاثة ينقل إلى قسيميه:
  الأول: من التكلم إلى الخطاب، نحو: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[يس ٢٢] الأصل(٤): وإليه أرجع.
  الثاني: منه إلى الغيبة، نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ٢}[الكوثر] الأصل: فصلِّ لنا.
  الثالث: من الخطاب إلى التكلم، نحو قوله [الطويل]:
  طَحَا بِكَ قلبٌ في الحِسانِ طَرُوبُ ... بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصَْر حَانَ مَشِيبُ
  يُكَلِّفُنِي ليلى وقَد شَطَّ وَلْيُهَا ... وعَادَتْ عَوَادٍ بيننا وخُطوبُ(٥)
(١) عرَّفه الإمام يحيى بن حمزة # في الطراز بقوله: هو العدول من أسلوب في الكلام إلى أسلوب آخر مخالف للأول. الطراز ٢/ص ٧١.
(٢) لأن النقل عنده أعم من أن يكون قد عبَّر عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة ثم عبَّر عنه بطريق آخر، أو يكون مقتضى الظاهر التعبير عنه بطريق منها - أي: الطرق الثلاثة - فعدل إلى الآخر، وعند الجمهور مختص بالأول. المطول ص ٢٨٨ تحقيق د. عبد الحميد هنداوي.
(٣) قوله: «فأقسامه ستة» تفريع للمذهبين؛ إذ الأقسام الستة جارية في كل كما لا يخفى. مخلوف.
(٤) أي: القياس.
(٥) البيت لعلقمة الفحل بن عبدة التميمي، شاعر جاهلي، انظر ديوانه ص ٣٣، والشعر والشعراء ١/ ٢٢١، والعمدة ١/ ٥٧.