حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب السادس: في الإنشاء

صفحة 140 - الجزء 1

  أقول: قد يخرج الأمر والنهي والنداء عن معانيها الأصلية لنكتة.

  أما الأمر فقد يأتي لمعان كثيرة، منها: الإباحة⁣(⁣١) نحو: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ}⁣[الأنعام ١٤٢].

  وأما النهي فإنه يأتي لمعان كثيرة أيضا، منها⁣(⁣٢): قصد الامتثال⁣(⁣٣)، كقولك لمن عصى أمرك: «لا تعص أمري⁣(⁣٤)» أي: امتثله.

  وأما النداء فيأتي لمعانٍ أيضًا:

  منها: الإغراء⁣(⁣٥)، كقولك لمن تظلَّم إليك: «يا مظلوم»، تريد إغراءه على زيادة التظلم.

  ثم إن صيغة الخبر قد يقصد منها الطلب لنكتة:

  كالتفاؤل⁣(⁣٦)، نحو: «وَفَّقَنَا الله لما فيه رضاه».


(١) والعلاقة بين الأمر والإباحة مطلق الإذن العام، فهو من استعمال الأخص في الأعم مجازا مرسلا.

ومنها: التهديد، نحو قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}⁣[فصلت ٤٠]، والتعجيز، نحو قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}⁣[البقرة ٢٣]، والدعاء، نحو قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}⁣[إبراهيم ٤١]، والالتماس، كقولك لمن يساويك رتبة: «افعل»، والتمني، نحو قول امرئ القيس:

ألَا أيُّهَا الليلُ الطويلُ ألَا انْجَلِي

والتسوية، نحو قوله تعالى: {أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ}⁣[التوبة ٥٣] وغيرها.

(٢) ومنها الدعاء، نحو: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا}⁣[البقرة ٢٨٦]. والإرشاد، نحو: {لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}⁣[المائدة ١٠١]. والتهديد، نحو قولك لابنك: «لا تطع أمري» وغيرها.

(٣) أراد بالقصد لازمه وهو الطلب. مخلوف.

(٤) في كون صيغة النهي في هذا المثال مستعملة في غير معناها نَظَرٌ ظاهر؛ إذ لو كان قصد ما تضمنته من الأمر يصيره كذلك للزم أن كل نهي مستعمل في غير معناه، فقولك: «لا تهمل زيدا» مستعمل في طلب اعتباره، وقولك: «لا تقم» مستعمل في طلب ما يُعَيِّنُهُ المقام مما يقابل القيام، وهكذا، فلا يوجد نهي حينئذ مستعمل في معناه، وهذا خلاف ما يفيده موضوع الكلام من كون النهي تارة يستعمل في معناه وتارة في غيره، ومع هذا لم يقل به أحد، فالمناسب أن يقول بدل قوله: «منها قصد الامتثال ... إلخ»: «منها التهديد كقولك لعبد لا يمتثل أمرك: «لا تمتثل أمري». مخلوف. والعلاقة بين النهي والتهديد السبيية؛ لأن النهي عن الشيء يتسبب عنه التخويف على مخالفته. دسوقي.

(٥) وهو الحث على لزوم الشيء، والعلاقة بين النداء وبين الإغراء المستعمل هو فيه أن الإغراء ملزوم للإقبال؛ إذ لا معنى لإغراء غير المقبل معنى بأن يكون بحيث لا يسمع. يعقوبي.

(*) وقد يستعمل للاختصاص، نحو: «اللهم اغفر لنا أيتها العصابة»، أي: متخصصين من بين العصائب.

(٦) ولا يكون التفاؤل إلا بلفظ الماضي. دسوقي. وقوله: «نحو: وَفَّقَنَا ... إلخ» أي: فالمقصود طلب التوفيق، وصيغة الأمر هي الدالة عليه، وعدل عنها إلى صيغة المضي الدالة على تحقق الوقوع تفاؤلا =