الباب السابع: الفصل والوصل
  فَافْصِلْ لَدَى التَّوْكِيدِ وَالإِبْدَالِ ... لِنُكْتَةٍ وَنِيَّةِ السُّؤَالِ
  وَعَدَمِ التَّشْرِيكِ فِي حُكْمٍ جَرَى ... أَو اخْتِلافٍ طَلَباً وَخَبَرَا
  وَفَقْدِ جَامِعٍ وَمَعْ إِيهَامِ ... عَطْفٍ سِوَى الْمَقْصُودِ فِي الْكَلام
  أقول: يجب الفصل في مواضع:
  منها: أن تُنَزَّلُ الجملةُ الثانيةُ(١) من الأولى منزلةَ: التوكيد المعنوي في إفادة التقرير(٢) مع اختلاف المعنى، أو اللفظي في إفادة التقرير مع اتحاد المعنى.
  مثال الأول: {لاَ رَيْبَ فِيهِ}[البقرة ٢] بالنسبة إلى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} إذا جعل كل منهما جملة مستقلة، فهي بمنزلة «نفسه» من «جاء زيد نفسه»(٣).
  ومثال الثاني: «جاء زيد هو الصوفي(٤)»، أي: الصافي من دنيء الأوصاف، فهي بمنزلة «زيد» الثاني من: «جاء زيد زيد».
  ومنها: أن تكون الثانية منزلة البدل من الأولى لنكتة، ككون المراد لطيفًا(٥) أو مطلوبًا في نفسه، فتنزل الثانية بمنزلة البدل المطابق، نحو(٦): {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ
(١) وهذا هو المسمى بكمال الاتصال.
(٢) أي: تقرير اللاحق للسابق. وقوله: «مع اختلاف المعنى» أي: معنى كل من السابق واللاحق، وكذا يقال في الاتحاد. مخلوف.
(٣) أي: أن منزلةَ {لاَ رَيْبَ فِيهِ} من {ذَلِكَ الْكِتَابُ} منزلةُ «نفسه» من «جاء زيد نفسه»، فإنه لما بولِغَ في وصف الكتاب ببلوغه الدرجة القصوى من الكمال بجعلِ المبتدأ اسم إشارة - وتعريفُ المسند إليه باسم الإشارة يَدُلُّ على كمال العناية بتمييزه -، وتعريف الخبرِ بالألف واللام - كان عند السامع قبل أن يتأمله مظنة أنه مما يُرمى به جزافًا من غير تحقق، فجاء بقوله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} نفيًا لذلك، كما أن الإتيان بِـ «نفسه» بعد قولك: «جاء زيد» لرفع ما يتوهم أنك في هذا القول تريد التجوز، أي: المجاز. الإيضاح للقزويني.
(٤) ينظر في هذا المثال؛ فإن قوله: «هو الصوفي» ليس بمعنى «جاء زيد»، فكان الأولى التمثيل بقوله تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}[البقرة ٢]، فإنه موضح لقوله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ}، فمعنى {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}: أنه في الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها حتى كأنه هداية محضة، وهذا هو معنى قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ}؛ لأن معناه الكامل، والمرادُ بكماله: كمالُه في الهداية. انظر الإيضاح للقزويني.
(٥) قوله: «ككون المراد لطيفا» راجع للبدل المطابق، وقوله: «أو مطلوبا ... إلخ» راجع لبدل البعض والاشتمال. مخلوف. وقوله: «لطيفا» أي: طريفاً مستحسنا فيقتضي ذلك الاعتناء به لإدخال ما يستغرب في أذهان السامعين. دسوقي.
(٦) في التلخيص والمطول ومختصره وغيرها من كتب البلاغة تركوا البدل المطابق وجعلوا الآية مثالًا =