حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب السابع: الفصل والوصل

صفحة 142 - الجزء 1

  فَافْصِلْ لَدَى التَّوْكِيدِ وَالإِبْدَالِ ... لِنُكْتَةٍ وَنِيَّةِ السُّؤَالِ

  وَعَدَمِ التَّشْرِيكِ فِي حُكْمٍ جَرَى ... أَو اخْتِلافٍ طَلَباً وَخَبَرَا

  وَفَقْدِ جَامِعٍ وَمَعْ إِيهَامِ ... عَطْفٍ سِوَى الْمَقْصُودِ فِي الْكَلام

  أقول: يجب الفصل في مواضع:

  منها: أن تُنَزَّلُ الجملةُ الثانيةُ⁣(⁣١) من الأولى منزلةَ: التوكيد المعنوي في إفادة التقرير⁣(⁣٢) مع اختلاف المعنى، أو اللفظي في إفادة التقرير مع اتحاد المعنى.

  مثال الأول: {لاَ رَيْبَ فِيهِ}⁣[البقرة ٢] بالنسبة إلى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} إذا جعل كل منهما جملة مستقلة، فهي بمنزلة «نفسه» من «جاء زيد نفسه»⁣(⁣٣).

  ومثال الثاني: «جاء زيد هو الصوفي⁣(⁣٤)»، أي: الصافي من دنيء الأوصاف، فهي بمنزلة «زيد» الثاني من: «جاء زيد زيد».

  ومنها: أن تكون الثانية منزلة البدل من الأولى لنكتة، ككون المراد لطيفًا⁣(⁣٥) أو مطلوبًا في نفسه، فتنزل الثانية بمنزلة البدل المطابق، نحو⁣(⁣٦): {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ


(١) وهذا هو المسمى بكمال الاتصال.

(٢) أي: تقرير اللاحق للسابق. وقوله: «مع اختلاف المعنى» أي: معنى كل من السابق واللاحق، وكذا يقال في الاتحاد. مخلوف.

(٣) أي: أن منزلةَ {لاَ رَيْبَ فِيهِ} من {ذَلِكَ الْكِتَابُ} منزلةُ «نفسه» من «جاء زيد نفسه»، فإنه لما بولِغَ في وصف الكتاب ببلوغه الدرجة القصوى من الكمال بجعلِ المبتدأ اسم إشارة - وتعريفُ المسند إليه باسم الإشارة يَدُلُّ على كمال العناية بتمييزه -، وتعريف الخبرِ بالألف واللام - كان عند السامع قبل أن يتأمله مظنة أنه مما يُرمى به جزافًا من غير تحقق، فجاء بقوله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} نفيًا لذلك، كما أن الإتيان بِـ «نفسه» بعد قولك: «جاء زيد» لرفع ما يتوهم أنك في هذا القول تريد التجوز، أي: المجاز. الإيضاح للقزويني.

(٤) ينظر في هذا المثال؛ فإن قوله: «هو الصوفي» ليس بمعنى «جاء زيد»، فكان الأولى التمثيل بقوله تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}⁣[البقرة ٢]، فإنه موضح لقوله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ}، فمعنى {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}: أنه في الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها حتى كأنه هداية محضة، وهذا هو معنى قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ}؛ لأن معناه الكامل، والمرادُ بكماله: كمالُه في الهداية. انظر الإيضاح للقزويني.

(٥) قوله: «ككون المراد لطيفا» راجع للبدل المطابق، وقوله: «أو مطلوبا ... إلخ» راجع لبدل البعض والاشتمال. مخلوف. وقوله: «لطيفا» أي: طريفاً مستحسنا فيقتضي ذلك الاعتناء به لإدخال ما يستغرب في أذهان السامعين. دسوقي.

(٦) في التلخيص والمطول ومختصره وغيرها من كتب البلاغة تركوا البدل المطابق وجعلوا الآية مثالًا =