فصل: في الدلالة الوضعية
  فالتزامية، كدلالته على «قبول العلم(١)».
  وإن كان الدالُّ غيرَ لفظٍ فالدلالة غير لفظية. وبيان أقسامها كاللفظية وما يتعلق بها في شرحنا لـ «السلم في المنطق» للمصنف. والمطابقية ليس للبيانيين بحث عنها، وإنما بحثهم عن دلالة التضمن والالتزام العقليتين(٢)؛ لقبولهما(٣) للوضوح والخفاء، بخلاف الأولى الوضعية؛ لأن السامع إن كان عالما بوضع الألفاظ لذلك المعنى لم يكن بعضها أوضحَ عنده من بعض، وإن لم يكن عالما بذلك لم يكن كل واحد من الألفاظ دالا عليه؛ لتوقف الفهم على العلم بالوضع، بخلاف العقليتين؛ لجواز اختلاف اللوازم في الوضوح(٤)؛ إذ قد يكون الشيء جزءَ الشيء أو جزءَ جزئه(٥)، وقد يكون لازمًا أو لازمَ لازمٍ(٦)، فوضوح الدلالة بحسب قلة الوسائط وكثرتها، والله أعلم.
(١) أي: كدلالة لفظ «الإنسان» على قبول العلم، وعلى كونه متحركًا، وكونه شاغلًا للجهة، وعلى كونه ضاحكًا، وغيرها.
(٢) سميت دلالة التضمن والالتزام دلالة عقلية لأن دلالة اللفظ على كل من الجزء والخارج إنما هي من جهة أن العقل يحكم بأن حصول الكل في الذهن يستلزم حصول الجزء فيه، وحصول الملزوم يستلزم حصول اللازم. والمنطقيون يسمون كل الثلاث وضعية بمعنى أن للوضع مدخلًا فيها. مطول.
(٣) تعليل لقوله: «وإنما بحثهم عن دلالة التضمن والالتزام». مخلوف.
(٤) قال في علوم البلاغة في سياق العقليتين: ويتأتى فيهما الاختلاف وضوحًا وخفاءً؛ إذ لوازم الشيء كثيرة بعضها قريب اللزوم يسبق إلى الذهن فهمه بسرعة، وبعضها بعيد، فيصح اختلاف الطرق فيها، ويكون بعضها أكمل من بعض في الإفادة، وكذا يجوز أن يكون المعنى جزءًا من شيء وجزءًا لجزء من شيء آخر، فدلالة الشيء الذي ذلك المعنى جزء منه على ذلك المعنى أوضح دلالة من الشيء الذي ذلك المعنى جزء من جزئه على ذلك المعنى، فدلالة الحيوان على الجسم أوضح من دلالة الإنسان عليه؛ لأن دلالة الحيوان عليه بلا واسطة، بخلاف الإنسان، ومثله دلالة الجدار على التراب أوضح من دلالة البيت.
(٥) قوله: «إذ قد يكون الشيء ... إلخ» فدلالة اللفظ على الشيء وهو جزء معناه كدلالة الحيوان على الجسم أوضح من دلالة لفظ آخر عليه وهو جزءُ جزءِ معناه كدلالة الإنسان على الجسم. مخلوف.
(٦) وقوله: «وقد يكون لازمًا ... إلخ» فدلالة اللفظ على الشيء وهو لازم معناه كدلالة كثرة الضيافات على الكرم أوضح من دلالة لفظ آخر عليه وهو لازم لازمه كدلالة كثرة الطبخ على الكرم. مخلوف.