حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

فصل في أداة التشبيه وغايته وأقسامه

صفحة 161 - الجزء 1

  والأصل في الكاف وما أشبهها كلفظ: «نحو» و «مثل» و «شبه» أن يليه المشبه به: لفظا، نحو: «زيدٌ كأسدٍ» أو: تقديرًا، نحو: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ}⁣[البقرة ١٩] أي: كمثل ذوي صيب⁣(⁣١)، وربما يليه غيره⁣(⁣٢)، نحو: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ}⁣[الكهف ٤٥] الآية، ليس المراد تشبيه الدنيا بالماء، بل تشبيه حالها في بهجتها وما يتعلق بها من الهلاك بحال النبات⁣(⁣٣) الحاصل من الماء يكون أخضر ثم ييبس فتطيره الرياح. بخلاف عكس الكاف ونحوها، نحو: «كأن» فإنه يليها المشبه لا المشبه به، نحو: «كأن زيدا أسد».

  قال:

  وَغَايَةُ التَّشْبِيهِ كَشْفُ الْحَالِ ... مِقْدَارٍ اوْ مَكَانٍ اوْ إِيصَالِ

  تَزْيِينٍ اوْ تَشْوِيهٍ اهْتِمَامِ ... تَنْوِيهٍ اسْتِطْرَافٍ اوْ إِيهَامِ

  رُجْحَانُهُ فِي الْوَجْهِ بِالْمَقْلُوبِ ... كَاللَّيْثُ مِثْلُ الْفَاسِقِ الْمَصْحُوب

  أقول: غاية التشبيه - أي: فائدته - أمور:

  منها: كشف حال المشبه، أي: بيان أنه على أي وصف من الأوصاف، كتشبيه ثوب بثوب في لونه، إذا كان لونه⁣(⁣٤) مجهولا للمخاطب.

  ومنها: بيان مقدار حال المشبه⁣(⁣٥) إذا كان السامع يعلمها⁣(⁣٦) إجمالا، كما في


(١) فحذف «ذوي» لدلالة قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ}⁣[البقرة ١٨] عليه؛ لأن هذه الضمائر لا بد لها من مرجع وحذف «مثل» لقيام القرينة أعني عطفه على قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا}⁣[البقرة ١٦] فالمثل المشبه به قد ولي الكاف؛ لأن المقدر في حكم الملفوظ. مطول.

(٢) أي: قد يليها غير المشبه به إذا كان التشبيه مركبًا، نحو: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية [الكهف ٤٤]؛ إذ ليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء ولا بمفرد آخر يتمحل تقديره؛ بل المراد تشبيه حالها في نضارتها وبهجتها وما يعقبها من الهلاك والفناء بحال النبات يكون أخضر ثم يهيج فتطيره الرياح كأن لم يكن. علوم البلاغة.

(٣) قوله: «بحال النبات» أي: صفته، ولا شك أنه غير وال للكاف لفظا ولا تقديرا. دسوقي.

(٤) لفظ الإيضاح: إذا عُلم لون المشبه به دون المشبه. وهو أوضح من هذا اللفظ.

(٥) في القوة والضعف والزيادة والنقصان. من الإيضاح.

(٦) قوله: «إذا كان ... إلخ» هذا هو الفارق بين بيان الحال وبيان المقدار. مخلوف.