فصل: في الدلالة الوضعية
  تشبيه الثوب الأسود بالغراب في شدة السواد(١).
  ومنها: بيان إمكان وجوده(٢)؛ بأن يكون أمرًا غريبًا يمكن أن يُخَالَفَ فيه ويُدَّعَى امتناعُه فيستشهد له بالتشبيه، كقوله [الوافر]:
  فإن تَفُقِ الأنامَ وأنتَ مِنْهُمْ(٣) ... فإنَّ الْمِسْكَ بعضُ دمِ الغزالِ(٤)
  فإنه لما ادعى أن الممدوح فاق الناس حتى صار أصلا برأسه وجنسا بنفسه وكان هذا في الظاهر كالممتنع(٥) احتج لهذه الدعوى وبيَّنَ إمكانها بأن شبَّه هذه الحالة بحالة المسك الذي هو من الدماء ثم إنه لا يعد من الدماء لما فيه من الأوصاف الشريفة التي لا توجد في الدم، والتشبيه فيه ضمني(٦) لا تصريحي.
  ومنها: إيصال حال المشبه - أي: تقريرها في نفس السامع - وتقوية شأنه، كما في تشبيه من لم يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء(٧).
  ومنها: تزيين المشبه ليرغب فيه، كتشبيه وجه أسود بمقلة الظبي.
  ومنها: تشويهه - أي: تقبيحه - ليرغب عنه، كتشبيه وجه مجدور بسلحة(٨) جامدة وقد نقرتها الدِّيَكَةُ.
(١) ومثله تشبيه الماء بالثلج في شدة البرودة.
(٢) أي: بيان أن وجود المشبه ممكن.
(٣) قوله: «وأنت منهم» جملة حالية، أي: والحال أنك منهم، أي: بحسب الأصل؛ لأنك آدمي بالأصالة، فلا ينافي صيرورته جنسا برأسه. دسوقي.
(٤) البيت لأبي الطيب المتنبي في شرح ديوانه ٢/ ١٦ وأسرار البلاغة ص ٩٥.
(٥) لاستبعاد أن يتناهى بعض آحاد النوع في الفضائل الخاصة بذلك النوع إلى أن يصير كأنه ليس منها. مطول.
(٦) أي: مدلول عليه باللازم؛ لأنه ذكر في الكلام لازم التشبيه وهو وجه الشبه - أعني فوقان الأصل - وأراد الملزوم وهو التشبيه. دسوقي. التشبيه الضمني: هو تشبيه لا يستعمل فيه طرفا التشبيه «المشبه والمشبه به» في صورة التشبيه المعروفة؛ بل يلمح إليهما ويفهمان من سياق الكلام، ويكون المشبه به برهانًا على أن ما أسند إلى المشبه ممكن.
(٧) فإنك تجد منه من تقرير عدم الفائدة وتقوية شأنه ما لا تجده في غيره؛ لأن الفكر بالحسيات أتم من العقليات؛ لتقدم الحسيات [أي: في الحصول عند النفس على العقليات] وفرط إلف النفس بها. سعد ودسوقي.
(٨) السلحة: العَذِرَة، أي: فضلات الإنسان.