فصل في تركيب المجاز
  المشبه به(١)، ولذلك اشترط أن يكون ما به المشابهة بين الطرفين جليًّا؛ لئلا تصير الاستعارة إلغازًا، أي: كلامًا معمًّى(٢)، كما لو قيل: «رأيت أسدا» وتريد إنسانا أبخر؛ إذ وجه الشبه بين الطرفين خفي. فظهر أن التشبيه أعم محلا؛ إذ كل ما يتأتى فيه الاستعارة يتأتى فيه التشبيه، من غير عكس(٣)؛ لجواز أن يكون وجه الشبه غير جلي، كما في المثال. ولا منافاة بين هذا وبين اشتراط عدم ابتذال وجه الشبه، أي: بأن يكون بعيدًا؛ لأن البعد مما يقبل الشدة والضعف، فالمراد أن لا يصل بُعْدُهُ إلى الإلغاز.
  قال:
فَصْلٌ فِي تَرْكِيبِ الْمَجَازِ
  مُرَكَّبُ الْمَجَازِ مَا تَحَصَّلا ... فِي نِسْبَةٍ أَوْ مِثْلِ تَمْثِيلٍ جَلا
  وَإِنْ أَتَى اسْتِعَارَةً مُرَكَّبُ ... فَمَثَلاً يُدْعَى وَلا يُنَكَّبُ
  أقول: قسَّم المجاز المركب إلى قسمين:
  الأول: ما تحصل - أي: تقدم - في الإسناد الخبري.
  الثاني: ما استعمل فيما شبه بمعناه الأصلي وكان وجه الشبه فيه هيئة منتزعة من متعدد، وهذا يسمى استعارة تمثيلية.
  فقوله: (أو مثل تمثيل جلا): أي: ظهر مثل تشبيه التمثيل في الوجه، نحو: «إني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى(٤)» المستعمل في تردد شخص في أمر، شبهت صورة تردده في الأمر بصورة من قام يمشي إلى أمر فترك المشي فتارة يقدم رجله
(١) لما في التشبيه من الدلالة على أن المشبه به أقوى في وجه الشبه فلا يتأتى ادعاء ما ذكر. مخلوف.
(٢) التعمية: هي الإخفاء والتلبيس. معجم المصطلحات البلاغية.
(٣) أي: ليس كل ما يتأتى فيه التشبيه تتأتى فيه الاستعارة؛ لجواز أن يكون وجه الشبه في التشبيه خفيًّا.
(٤) هذا القول كتب به الوليد بن يزيد بن عبد الملك إلى مروان بن محمد وقد بلغه أنه متوقف في البيعة له. فقد شبه تردده في المبايعة بصورة تردد مَن قام ليذهب في أمر فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا، وتارة لا يريد فيؤخر أخرى.