فصل: في السجع
  قال:
  أَبْلَغُ ذَاكَ مُسْتَوٍ فَمَا تُرَى ... فِيهِ الْقَرِينَتَيْنِ الاُخْرَى أَكْثَرَا(١)
  وَالْعَكْسُ إِنْ يَكْثُرَ فَلَيْسَ يَحْسُنُ ... وَمُطْلَقًا أعْجَازُهَا تُسَكَّنُ
  وَجَعْلُ سَجْعِ كُلِّ شَطْرٍ غَيْرَ مَا ... فِي الآخَرِ التَّشْطِيرُ عِنْدَ الْعُلَمَا
  أقول: القرينة(٢): طائفة من الكلام مشتملة على الفاصلة(٣)، سميت بذلك لأنها مقارنة لصاحبتها.
  وأحسن السجع ما تساوت فيه فقراته، نحو: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ٢٨ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ٢٩}[الواقعة].
  ثم ما طالت فقرته الثانية، نحو: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ١ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ٢}[النجم].
  والثالثة: نحو: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٣٠ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ٣١}[الحاقة].
  ولا يحسن أن يؤتى بعد فقرة بفقرة أخرى أقصر منها كثيرا.
  والأسجاع مبنية على سكون الأعجاز، كقوله: «ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت».
  قيل: السجع غير مختص بالنثر، بل يكون في النظم كقوله [الطويل]:
  تَجَلَّى بِهِ رُشْدِي وأثْرَتْ بهِ يدي ... وَفَاضَ بِهِ ثِمْدِي وَأَوْرَى بِهِ زَنْدِي(٤)
  ومنه على هذا القول ما ذكر المصنف وهو المسمى: بالتشطير، وهو جعل كل
(١) قوله: «فما تُرى» بالبناء للفاعل، و «القرينتين» مفعول أول، و «الأخرى» بدل منه، و «أكثر» مفعول ثان، وفي نسخة «فما ترى أخرى القرينتين فيه أكثرا» وهي أقرب. مخلوف.
(٢) القرينة: هي الفقرة، وسميت قرينةً لأنها تقارن أختها.
(٣) الفاصلة: هي الكلمة التي تختم بها الآية الكريمة أو الفقرة.
(٤) البيت لأبي تمام. انظر شرح ديوانه ص ١١١، والإيضاح ص ٣٨٦. وأثرت: صارت ذا ثروة. وأورى - بفتح الهمزة والراء -: صار ذا وري أي: نار، وهو فعل ماض. وزندي فاعله، وضمير به للممدوح، وثِمدي - بالكسر - الماء القليل؛ والمراد هنا المال.