حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

فصل: في السجع

صفحة 214 - الجزء 1

  قال:

  أَبْلَغُ ذَاكَ مُسْتَوٍ فَمَا تُرَى ... فِيهِ الْقَرِينَتَيْنِ الاُخْرَى أَكْثَرَا⁣(⁣١)

  وَالْعَكْسُ إِنْ يَكْثُرَ فَلَيْسَ يَحْسُنُ ... وَمُطْلَقًا أعْجَازُهَا تُسَكَّنُ

  وَجَعْلُ سَجْعِ كُلِّ شَطْرٍ غَيْرَ مَا ... فِي الآخَرِ التَّشْطِيرُ عِنْدَ الْعُلَمَا

  أقول: القرينة⁣(⁣٢): طائفة من الكلام مشتملة على الفاصلة⁣(⁣٣)، سميت بذلك لأنها مقارنة لصاحبتها.

  وأحسن السجع ما تساوت فيه فقراته، نحو: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ٢٨ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ٢٩}⁣[الواقعة].

  ثم ما طالت فقرته الثانية، نحو: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ١ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ٢}⁣[النجم].

  والثالثة: نحو: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٣٠ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ٣١}⁣[الحاقة].

  ولا يحسن أن يؤتى بعد فقرة بفقرة أخرى أقصر منها كثيرا.

  والأسجاع مبنية على سكون الأعجاز، كقوله: «ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت».

  قيل: السجع غير مختص بالنثر، بل يكون في النظم كقوله [الطويل]:

  تَجَلَّى بِهِ رُشْدِي وأثْرَتْ بهِ يدي ... وَفَاضَ بِهِ ثِمْدِي وَأَوْرَى بِهِ زَنْدِي⁣(⁣٤)

  ومنه على هذا القول ما ذكر المصنف وهو المسمى: بالتشطير، وهو جعل كل


(١) قوله: «فما تُرى» بالبناء للفاعل، و «القرينتين» مفعول أول، و «الأخرى» بدل منه، و «أكثر» مفعول ثان، وفي نسخة «فما ترى أخرى القرينتين فيه أكثرا» وهي أقرب. مخلوف.

(٢) القرينة: هي الفقرة، وسميت قرينةً لأنها تقارن أختها.

(٣) الفاصلة: هي الكلمة التي تختم بها الآية الكريمة أو الفقرة.

(٤) البيت لأبي تمام. انظر شرح ديوانه ص ١١١، والإيضاح ص ٣٨٦. وأثرت: صارت ذا ثروة. وأورى - بفتح الهمزة والراء -: صار ذا وري أي: نار، وهو فعل ماض. وزندي فاعله، وضمير به للممدوح، وثِمدي - بالكسر - الماء القليل؛ والمراد هنا المال.