فصل فيما لا يعد كذبا
  الْعَالَمِينَ ٢٣}[الشعراء] إلى قوله: {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٣١}[الشعراء].
  وحسن التخلص(١): ملاءمة الخروج من فن من الكلام إلى فن آخر. ويسمى: براعة المخلص.
  قال:
فَصْلٌ فِيمَا لا يُعَدُّ كَذِبًا
  وَلَيْسَ فِي الإِيهَامِ وَالتَّهَكُّمِ ... وَلا التَّغَالِي بِسِوَى الْمُحَرَّمِ
  مِنْ كَذِبٍ وَفِي الْمِزَاحِ قَدْ لَزِبْ ... بِحَيْثُ لا مَنْدُوحَةَ عَنِ الْكَذِبْ
  أقول: ليس في الإيهام - وهو التورية - كذب؛ لأن المصطفى ÷ كان يمازح بها، كقوله للعجوز التي طلبت منه الدعاء بدخول الجنة: «إن الجنة لا تدخلها عجوز». ومثله التهكم؛ لوروده(٢) في الكتاب العزيز. وكذلك المبالغة - وهو المراد بالتغالي - ما لم تكن محرمة أو كفرًا، كمن يصف أميرا بأنه قهر أهل السماء، أو عارض القدرة بقوته.
  وأما المزاح بالكذب على غير تأويل من تورية أو نحوها فحرام؛ لأن اللعب لا يبيح محرما، وهذه المصيبة عمت بها البلوى في زماننا؛ إذ لا يكاد مجلس يخلو عن المزاح بالكذب، وربما كفر الممازح في بعض الأحيان.
  وأما المزاح العاري عن الكذب فهو مباح؛ لأن المصطفى ÷ كان يمازح بعض الأحيان ولا يقول إلا حقًّا - زاده الله شرفا وكرما -.
  و (لَزِب): أي: لزم ارتكاب ما ذكر من التورية ونحوها في المزاح لمن أراده لتكون له مندوحة عن الكذب.
  * * * * *
(١) ويسمى براعة التخلص والخروج، ويراد به الانتقال من غرض إلى آخر في القصيدة أو النثر، وهو كثير في القرآن.
(٢) كقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ٤٩}[الدخان].