حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[فصاحة الكلام]

صفحة 46 - الجزء 1

  {فَسَبِّحْهُ}⁣[ق ٤٠]، فلا يقال: إن مثل هذا الثقل مخلٌّ بالفصاحة⁣(⁣١).

  وضعف التأليف: أن يكون تأليف الكلام على خلاف القانون النَّحْوِي، كالإضمار قبل الذكر لفظًا ومعنى وحكمًا، نحو: «ضرب غلامُه زيدًا»، بخلاف: «ضرب زيدٌ غلامَه»، و: «ضرب غلامَه زيدٌ»، و: «هو زيد قائم».

  والتعقيد: أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى المراد لخلل واقع:

  · إما في نظم الكلام بسبب تقديم أو تأخير أو حذف أو غير ذلك مما يوجب صعوبة فهم المعنى المراد.

  · وإما في انتقال الذهن من المعنى الأصلي إلى المعنى المقصود.

  فالأول: كقول الفرزدق في خال هشام بن عبد الملك وهو إبراهيم [الطويل]:

  وما مثله في الناس إلا مُملَّكًا ... أبو أمِّهِ حيٌّ أبوهُ يقاربُه⁣(⁣٢)

  أي: ليس مثله في الناس أحد يقاربه - أي: يشبهه في الفضائل - إلا مُمَلَّكٌ، أي: رجلٌ أعطي الملك، يعني هشاما، أبو أمِّه، أي: أبو أمِّ ذلك المملَّكِ أبوه، أي: أبو إبراهيم الممدوح، أيْ: لا يماثله أحد إلا ابن أخته، وهو هشام، ففيه فصل بين المبتدأ والخبر - أعني «أبو أمه أبوه» - بالأجنبي الذي هو «حي»، وفصلٌ بين الموصوف وصفته - أعني «حي يقاربه» - بالأجنبي الذي هو «أبوه»، وتقديم المستثنى - أعني «مملكا» - على المستثنى منه - أعني «حي» -، وفصل كثير بين البدل - وهو «حي» - والمبدل منه وهو «مثله»، فـ «مثله»: اسم «ما»، و «في الناس»: خبره، و «إلا مملكا»: منصوب لتقدمه على المستثنى منه.


(١) يعني أن في «أمدحه» ثقلا ما؛ لما بين الحاء والهاء من القرب في المخرج لكن ليس ذلك مخرج له من الفصاحة، ولكنه لما كرر «أمدحه» بلغ الثقل حدًّا لا يتحمله الفصيح. من الأطول بتصرف يسير.

(٢) كان حقه أن يقول: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أمه أبوه.

ومعنى البيت: وليس مثل إبراهيم في الناس أحد يشبهه في الفضائل إلا ابن أخته هشام، وضمير «أمه» عائد على «المملك» وهو هشام، وضمير «أبوه» عائد على إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي أمير المدينة المنورة. الإيضاح ص ١٢ تحقيق محمد الفاضلي.