حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[فصاحة الكلام]

صفحة 47 - الجزء 1

  والثاني: كقول الآخر⁣(⁣١) [الطويل]:

  سأطلبُ بُعْدَ الدارِ عنكم لتقربوا ... وتسكُبُ عينايَ الدموعَ لتَجْمُدَا⁣(⁣٢)

  جعل سكب الدموع كناية عما يلزم فراق الأحبة من الكآبة والحزن، وأصاب، لكنه أخطأ في جعل جمود العين كناية عما يوجبه التلاقي من الفرح والسرور؛ فإن الانتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع حال إرادة البكاء - وهي حالة الحزن - لا إلى ما قصده من السرور الحاصل بالملاقاة.

  وزاد بعضهم: الخلوص من كثرة التكرار، وتتابع الإضافات، فالأول: كقوله [الطويل]:

  سَبُوحٌ لها مِنها عَليهَا شَوَاهِدُ⁣(⁣٣)

  والثاني كقوله⁣(⁣٤) [الطويل]:

  حَمَامةَ جَرْعَى حَوْمَةِ الجَنْدَلِ اسجَعِي⁣(⁣٥)

  ورُدَّ بأن ذلك إنْ ثَقُلَ اللفظُ بسببه على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بالتنافر، وإلا فلا يخلُّ بالفصاحة، كيف وقد وقع في القرآن؟! قال الله تعالى:


(١) هو أبو العباس بن الأحنف شاعر غزل رقيق (ت ١٩٢ هـ).

(٢) الشاهد في قوله: «لتجمدا» أراد الشاعر أن يكني عما يوجبه التلاقي من السرور بالجمود، ولكنه أخطأ؛ لأن الجمود خلو العين من البكاء في حال إرادة البكاء منها، فلا يكون كناية عن المسرة.

(٣) الشاهد: كثرة الضمائر فمجيء «لها - منها - عليها» أورثَ في البيت ثقلا على اللسان. والبيت لأبي الطيب وصدره:

وَتُسعِدُني في غَمْرَةٍ بَعْدَ غَمْرَةٍ

والسبوح: وصف للفرس إذا كانت حسنة الجري كأنها تسبح، ويريد بالغمرة: الشدة، وهي في الأصل ما يغمر من الماء، وتسعدني: تعينني.

(٤) القائل هو عبد الصمد بن منصور - المعروف بابن بابك، وهو شاعر مجيد، توفي في بغداد سنة ٤١٠ هـ.

(٥) وعجزه:

فأنت بِمرأى من سُعادَ ومَسْمَع

وجرعى: مقصور جرعاء مؤنث الأجرع، ولها معانٍ كثيرة أنسبها لبقية البيت أنها: الكثيب جانب منه رمل وجانب حجارة، وحومة الشيء: معظمه، والجندل: أرض ذات حجارة، والسجع: هدير الحمام.

والشاهد في البيت: إضافة «حمامة» إلى «جرعى»، و «جرعى» إلى «حومة»، و «حومة» إلى «الجندل».