[بلاغة الكلام والمتكلم]
  وأسقط المصنف هذا القيد؛ لضيق النظم، واحترز به عن نحو: «شعره مستشزر» إذا ألقِيَ إلى خالي الذهن(١)، وبقيد المطابقة عن نحو: «إنَّ زيدا قائم» إذا ألقي لخالي الذهن. والحال: هو الأمر الداعي [للمتكلم] إلى أن يَعْتَبِرَ مع الكلام الذي يُؤدى به أصل المراد خصوصيةً مَّا، وهي - أي: موصوفها(٢) - مقتضى الحال، مثلا: كونُ المخاطب منكرًا للحكم حالٌ يقتضي كلاما مؤكَّدًا، وهو كليٌّ، وهذا الكلي مقتضى الحال، و «إن زيدًا قائمٌ» فردٌ من أفراد ذلك الكلي، مطابقٌ له(٣)، بمعنى: أنه مصدوق لذلك الكلي، وفرد من أفراده، وهذا عكس مطابقة الكلي لجزئياته؛ إذ هي صادقيتهُ على كل واحد منها.
  ولم يتكلم المصنف على البلاغة في المتكلم؛ للعلم بها من الفصاحة فيه، فهي: ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ. فعلم مما ذكر في حد البلاغة أن كلَّ بليغٍ كلامًا كان أو متكلمًا فصيحٌ؛ لجعل الفصاحة شرطًا للبلاغة، وليس كلُّ فصيحٍ بليغًا، كلاما كان أو متكلمًا؛ لأن الفصيح قد يعرى عن المطابقة كما تقدم(٤).
  ولبلاغة الكلام طرفان(٥): أعلى: وهو ما يقرب من حدِّ الإعجاز، وهو(٦) أن يرتفع الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر، ويعجزهم عن معارضته.
(١) أي: فإنه وإن كان مطابقا لمقتضى الحال لكنه ليس فصيحا؛ لتنافر بعض حروف كلماته؛ فليس بليغا. مخلوف.
(٢) هو الكلام الكلي كما سيذكره. مخلوف. وقوله: «أي: موصوفها» إشارة إلى ما قال السعد: إنه التحقيق في مقتضى الحال، والحاصل أن الخصوصية إما أن تجعل هي مقتضى الحال أو يجعل موصوفها هو مقتضى الحال، إن جعلت مقتضى الحال فمعنى كون الكلام مطابقا لمقتضى الحال أنه مشتمل على مقتضى الحال، فمثلا كون المخاطب منكرا حال يقتضي التأكيد، فالتأكيد مقتضى الحال، وقولك: «إن زيدا قائم» مطابق لمقتضى الحال، أي: مشتمل عليه. وإن جعل موصوفها هو مقتضى الحال فمعنى كون الكلام مطابقاً لمقتضى الحال أنه فرد من أفراد مقتضى الحال ففي المثال السابق الإنكار حال يقتضي كلاما مؤكدا، فمقتضى الحال الكلام المؤكد لا التأكيد كما في الأول، وقولك: «إن زيداً قائم» مطابق لمقتضى الحال، أي: فرد من أفراد مقتضى الحال الذي هو الكلام المؤكد.
(٣) أي: للكلي.
(٤) أي: في قوله: «وبقيد المطابقة». مخلوف.
(٥) قوله: «طرفان» أي: مرتبتان، وقوله: «طوق البشر» أي: طاقتهم وقدرتهم. دسوقي.
(٦) أي: حد الإعجاز. مخلوف.