حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[حد الصدق والكذب]

صفحة 57 - الجزء 1

  فلا يَرِدُ: أن المعتبر من جانب الموضوع الذات، ومن جانب المحمول المفهوم؛ لأن الذات أيضًا مما يفهم من اللفظ. وقدَّم بحثَ الخبر على بحث الإنشاء لعظم شأنه⁣(⁣١)، ولتفرع الإنشاء عليه في نحو: «زيد في الدار»، و: «أَزَيْدٌ فيها⁣(⁣٢)؟».

  وقدم أحوال الإسناد على أحوال المسند إليه والمسند مع تأخر النسبة عن الطرفين؛ لأن البحث⁣(⁣٣) إنما هو عن أحوال اللفظ الموصوف بكونه مسندًا إليه أو مسندًا، وهذا الوصف إنما يتحقق بعد تحقق الإسناد، والمتقدم على النسبة ذات الطرفين، ولا بحث لهم عنها.

  والخبري: نسبة للخبر، وتقدم أنه ما احتمل الصدق والكذب.

[حد الصدق والكذب]

  وفي حدِّ الصدق والكذب أقوال أربعة:

  الأول - وهو أصحها -: أن الصدق: مطابقة حكم الخبر للواقع، والكذب: عدم مطابقته له، ولو كان الاعتقاد بخلاف ذلك في الحالين⁣(⁣٤).

  الثاني - وهو للنظام⁣(⁣٥) -: أن الصدق: المطابقة لاعتقاد المخبِر ولو خطأ⁣(⁣٦)، والكذب: عدم مطابقته للاعتقاد ولو صوابًا⁣(⁣٧). وما لا اعتقاد معه على هذا


= لا ما صدق عليه كالجمل والفرس، فعندما قال: بأن مفهوم إحداهما - أي: المحكوم به - ثابت لمفهوم الأخرى قالوا: أخطأ هنا، فكان عليه أن يقول: لذات الأخرى؛ لأن المراد من جانب الموضوع الذات كما تقدم، فأجاب بأن المراد بالمفهوم: ما يفهم من اللفظ، والذات مما يفهم من اللفظ؛ لا أن المراد بالمفهوم الوصف الكلي حتى يرد الاعتراض.

(١) شرعا لأن أكثر الاعتقاديات أخبار، ولغة فإن أكثر المحاورات أخبار. دسوقي.

(٢) فإن أصل «أزيد في الدار» خبر وهو «زيد في الدار» صار إنشاءً بزيادة همزة الاستفهام عليه.

(٣) أي: في علم المعاني.

(٤) أي: حال المطابقة الذي هو الصدق، وحال عدمها الذي هو الكذب. مخلوف.

(٥) هو إبراهيم بن سيار النظام المعتزلي، من الطبقة السادسة من طبقات المعتزلة ت سنة بضع وعشرين ومائتين.

(٦) أي: ولو كان الاعتقاد خطأ غير مطابق للواقع وإذا كان صوابا فبطريق الأولى؛ لتحقق المطابقتين.

(٧) فقول القائل: «السماء تحتنا» معتقدًا لذلك صدقٌ، وقوله: «السماء فوقنا» غير معتقد لذلك كذبٌ، على قول النظام.