حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[البحث الثالث: في تعريف المسند إليه]

صفحة 80 - الجزء 1

  أقول: البحث الثالث: في تعريفه، أي: إيراده⁣(⁣١) معرفةً، وهو: ما وضع ليستعمل في شيء بعينه.

  وقدم المصنف هنا التعريف، وفي المسند التنكير؛ لأن الأصل في المسند إليه التعريف⁣(⁣٢)، وفي المسند التنكير. والإتيان بالمسند إليه معرفةً لإفادة المخاطب أتمَّ فائدة؛ لأن النكرة وإن أمكن أن تُخصص بالوصف بحيث لا يشاركها فيه غيرها كقولك: «أَعبُدُ إلهًا خلق السماء والأرض⁣(⁣٣)» لا يكون في قوة تخصيص المعرفة؛ لأنه⁣(⁣٤) وضعي، بخلاف تخصيص النكرة.

  والتعريف يكون على وجوه متفاوتة تتعلق بها أغراض مختلفة، أمَّا تعريفه بالإضمار فلكون المقام مقام تكلم⁣(⁣٥)، نحو: «أنا ضربت»، أو خطابٍ، نحو: «أنت ضربتَ»، أو غَيبةٍ، نحو: «هو ضرب»؛ لتقدم ذكره⁣(⁣٦): إما لفظًا تحقيقًا نحو: «جاء زيد وهو راكب»، أو تقديرًا نحو: «جاء وهو راكب زيد⁣(⁣٧)».

  وإما معنىً لدلالة لفظٍ عليه، نحو: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}⁣[المائدة ٨]،


(١) قوله: «أي: إيراده» يعني ليس المراد بتعريفه جعله معرفة؛ لأن ذلك وظيفة الواضع، بخلاف الإيراد معرفة فإنه من وظيفة البليغ المستعمل، وذلك هو المراد. دسوقي.

(٢) وإنما كان الأصل في المسند إليه التعريف لأنه محكوم عليه، والحكم على المجهول غير مفيد. وكان الأصل في المسند التنكير لأنه محكوم به، والحكم بالمعلوم لا يفيد. دسوقي.

(٣) ونحو: لقيت رجلا سلم عليك اليوم قبل كل أحد. المطول.

(٤) قوله: «لأنه ... إلخ» أي: تخصيص المعرفة، أي: صيرورة مدلولها خاصا، وقوله: «وضعي» أي: يفهم من نفس المعرفة بالوضع، وقوله: «بخلاف تخصيص النكرة» أي: بخلاف التخصيص الحاصل للنكرة فإنه يفهم من ملاحظة انحصار الوصف، وأما من حيث المفهوم فالشيوع باقٍ. مخلوف.

(٥) فإذا قيل: «من أكرم زيدا؟» وكنت أنت المكرم له فتقول: «أنا» ولا تقول «فلان»، وإن كان المكرم له المخاطب قلت: «أنت»، وإن كان الغائب وكان قد تقدم له ذكر قلت: «هو»، وقوله: «لأن المقام مقام تكلم» أي: ولا يشعر بخصوص التكلم وكذا الخطاب والغيبة إلا الضمير، وهذا لا ينافي أن الاسم يشعر بالتكلم والغيبة والخطاب إلا أنه ليس نصا في ذلك، فقول الخليفة: «أمير المؤمنين فعل كذا» يحتمل التكلم ويحتمل الإخبار عن غيره؛ فليس نصا في التكلم، بخلاف «أنا ضربت» فإنه نص في ذلك، كذا قرر شيخنا العدوي. دسوقي.

(٦) قوله: «لتقدم ذكره» علة لكون المقام مقام غيبة، أي: وإنما كان المقام للغيبة لتقدم ذكره، أي: ذكر مرجحه. دسوقي.

(٧) فـ «زيد» في تقدير التقدم؛ إذ هو فاعل، ورتبته التقدم على كل الفضلات.