الباب الخامس في التقديم وفيه أربعة مباحث
  لأحملنك على الأدهم، مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب. ونحو قول المتنبي يعزي عضد الدولة بعمته:
  مثلك يثنى المزن عن صوبه ... ويسترد الدمع عن غربه(١)
  فلا يقصد في كل هذا وأشباهه بمثل الى إنسان سوى الذي أضيف اليه، بل يريدون أن كل من كان هذا شأنه وتلك حاله كان من موجب العرف والعادة أن يفعل أو لا يفعل، ولأجل إفادتها ذلك المعنى قال المتنبي في تلك القصيدة:
  ولم أقل مثلك أعني به ... سواك يا فردا بلا مشبه
  وكمثل (غير) اذا سلك بها هذا المسلك تقول: غيري يفعل كذا، على معنى أنك لا تفعله، لا أن تعرض بإنسان آخر، وعليه قول أبي تمام:
  وغيري يأكل المعروف سحتا ... وتشحب عنده بيض الأيادي(٢)
  فهو لم يرد أن يعرّض بشاعر سواه فيزعم أن الذي اتهم به من هجو الممدوح كان من ذلك الشاعر، لا منه، بل أراد أن ينفي عن نفسه كفران النعمة وجحدها، لا غير.
  واستعمال (مثل وغير) على تلك الشاكلة مما ركز في الطباع وجرى على جميع الألسن، فمن نحا بهما غير هذا النحو، فقد قلب الكلام عن جهته، وغيّره عن صورته، وما ذاك إلا لأنه قد غفل عن سر تقدمهما، وهو إفادة تقوية الحكم وتأكيده.
  ٨ - إفادة التعميم والنص على شمول النفي (عموم السلب) وذلك حين تتقدم أداة العموم ككل وجميع ونحوهما على أداة النفي، وهي غير معمولة للفعل المنفي فيتوجه النفي إذ ذاك الى أصل الفعل، ويعم كل فرد من أفراد ما أضيف إليه كل، نحو: كل ظالم لا يفلح، فالمعنى: لا يفلح أحد من الظلمة. وعليه قول أبي النجم:
  قد أصبحت أم الخيار تدعي ... عليّ ذنبا كله أصنع
(١) الغروب مجاري الدموع، والصوب القصد، ويثني يدفع، يريد أنك قدير على دفع الحزن ورد الدموع الى مجاريها إذ لا مشبه لك.
(٢) السحت المال الحرام، وتشحب تتغير.