علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث الأول في مزايا الحذف وشروطه

صفحة 89 - الجزء 1

الباب الرابع في الحذف وفيه أربعة مباحث

المبحث الأول في مزايا الحذف وشروطه

  من دقائق اللغة، وعجيب سرها، وبديع أساليبها، أنك قد ترى الجمال والروعة تتجلى في الكلام اذا أنت حذفت أحد ركني الجملة أو شيئا من متعلقاتها، فإن أنت قدرت ذلك المحذوف وأبرزته صار الكلام الى غث سفساف ونازل ركيك لا صلة بينه وبين ما كان عليه أولا.

  ومن ثم قال في «دلائل الإعجاز»: هذا باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر، والصمت عن الإفادة، أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون اذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانا اذا لم تبين، وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر، وتدفعها حتى تنظر. اه.

  ومن شرط الحذف أن يكون في الكلام ما يدل على المحذوف، وإلا كان تعمية وإلغازا، ومن شرط حسنه أنه متى أظهر المحذوف زال ما كان في الكلام من البهجة والطلاوة، وهو على ضربين:

  ١ - ضرب يظهر فيه المحذوف عند الاعراب كقولهم: أهلا وسهلا، فإن نصب الأهل والسهل يدل على ناصب محذوف يقدر بنحو: جئت أهلا ونزلت مكانا سهلا، وليس لهذا الحذف من الحسن والاريحية ما تجده في قسميه الثاني.

  ٢ - ضرب لا يظهر بالاعراب، وإنما تعلم مكانه اذا أنت تصفحت المعنى ووجدته لا يتم اذا لم يراع ذلك المحذوف كما يقال: فلان يحل ويعقد، ويعطي ويمنع، إذ من البين أن المعنى يحل الأمور ويعقدها، ويعطي ما يشاء ويمنع ما يشاء، ولكن لا سبيل الى إظهار ذلك المحذوف، ولو أظهرته زالت تلك البهجة وضاع ما تشعر به من رواء وجمال.