علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث الخامس - الايجاز أفضل أم الاطناب مواضع كل منهما

صفحة 199 - الجزء 1

  إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين

  مع قول بشر بن أبي حازم يمدحه أيضا:

  إذا ما المكرمات رفعن يوما ... وقصّر مبتغوها عن مداها⁣(⁣١)

  وضاقت أذرع المثرين عنها ... سما أوس اليها فاحتواها

المبحث الخامس - الايجاز أفضل أم الاطناب مواضع كل منهما

  اختلفت آراء الأئمة في تفضيل الايجاز على الاطناب، أو العكس، فمن مفضل للايجاز، كشبيب بن شيبة، إذ يقول: القليل الكافي خير من كثير غير شاف.

  ويقول آخر: اذا طال الكلام عرضت له أسباب التكلف، ولا خير في شيء يأتي به التكلف.

  ومن مرجح للاطناب وحجته أن المنطق إنما هو البيان، والبيان لا يكون إلا بالإشباع، والشفاء لا يقع إلا بالإقناع، وأفضل الكلام أبينه، وأبينه أشده إحاطة بالمعاني، ولا يحاط بالمعاني إحاطة تامة إلا بالاستقصاء، أضف الى ذلك أن الايجاز للخواص، والاطناب مشترك بين الخاصة والعامة، والغبي والفطن.

  والمختار، أن الحاجة الى كل ماسة، وأن لكل موضعا لا يسد عنه فيه سواه، فمن استعمل أحدهما في موضع الآخر، فقد أخطأ.

  قال جعفر بن يحيى: متى كان الايجاز أبلغ كان الاكثار وعيا، ومتى كانت الكفاية في موضع الاكثار، كان الايجاز تقصيرا، يرشد الى ذلك قول القائل يصف خطباء إباد:

  يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحي الملاحظ خشية الرقباء⁣(⁣٢)

  وقد استحبوا الايجاز في المواضع الآتية:


(١) رفع المكرمات يراد به بروزها للطالبين، ومبتغوها طالبوها، واحتواها أخذها.

(٢) الوحي الاشارة بالكلام الخفي، والملاحظ جمع ملحظ كمطلب اللحظ ووحي منصوب على المصدر، أي تارة يوحون، أي يأتون بكلام سريع خفي، كحال من ينظر الى حبيبه بمؤخر عينيه خوفا من الرقباء.