علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

خاتمة

صفحة 307 - الجزء 1

  وما ذاك إلا من سوء تأليفها وقبح تركيبها، وقد أجاد الشريف فيما زلت فيه قدم أبي الطيب فجاء به على وصف حسن وقالب عجيب حيث قال:

  أحن الى ما يضمن الخمر والحلى ... وأصدف عما في ضمان المآزر

  وقريب من بيت المتنبي قول الآخر:

  وما نلت منها محرما غير أنني ... اذا هي بالت بلت حيث تبول

خاتمة

  اتفقت كلمة البلغاء على:

  ١ - أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح، لأن الانتقال فيهما من الملزوم الى اللازم فهو كدعوى الشيء ببينة.

  ٢ - وعلى أن الاستعارة أبلغ من التشبيه، ومن المجاز المرسل، لما فيهما من دعوى الاتحاد، وأن أبلغ أنواعها الاستعارة التمثيلية، ثم المكنية، لاشتمالها على المجاز العقلي الذي هو قرينتها.

  ٣ - وعلى أن الاستعارة سواء أكانت تمثيلية أم مكنية أم غيرهما، أبلغ من الكناية، لأنها كالجامعة بين كناية واستعارة.

  وليس معنى الأبلغية في كلا من هذه الأمور يفيد زيادة في المعنى نفسه لا يفيدها خلافه، بل المراد زيادة التأكيد في الاثبات.

  قال الإمام عبد القاهر: فليست فضيلة قولنا رأيت أسدا على قولنا رأيت رجلا لا يتميز عن الأسد في جرأته وشجاعته، أن الأول أفاد زيادة في مساواته للأسد في الشجاعة لم يفدها الثاني، بل هي أن الأول أفاد تأكيدا لإثبات تلك المساواة له لم يفده الثاني، وسر هذه المزية والفخامة أنك اذا قلت: رأيت أسدا كنت قد تلطفت لما أردت إثباته له من فرط الشجاعة حتى جعلتها كالشيء الذي يجب له الثبوت والحصول، وكالأمر الذي نصب له دليل يقطع بوجوده، وذلك أنه اذا كان أسدا فواجب أن تكون له تلك الشجاعة العظيمة، وكالمستحيل والممتنع أن يعرى عنها واذا صرحت بالتشبيه فقلت: رأيت رجلا كالأسد، كنت قد أثبتها إثبات الشيء يترجع بين أن يكون وألا يكون، ولم يكن من حديث الوجوب في شيء.