علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

الاستتباع

صفحة 344 - الجزء 1

الاستتباع

  هو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر، كقول المتنبي:

  نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنئت الدنيا بأنك خالد

  فقد مدحه ببلوغه الغاية في الشجاعة إذ كثر قتلاه، بحيث لو ورث أعمارهم لخلد في الدنيا، على أسلوب استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها من قبل أنه جعل الدنيا مهنأة بخلوده ولا تهنأ إلا بما فيه صلاحها.

  وفي البيت وجهان آخران من المدح، أحدهما أنه نهب الأعمار دون الأموال، وثانيهما أنه لم يكن ظالما في قتل أي أحد من مقتوليه لأنه لم يقصد بذا إلا صلاح الدنيا وأهلها فهم مسرورون ببقائه.

الادماج

  هو لغة الادخال، فيقال: أدمج الشيء في ثوب، اذا لفه فيه، واصطلاحا: أن يجعل المتكلم الكلام الذي سيق لمعنى من مدح أو غيره⁣(⁣١) متضمنا معنى آخر كقول أبي الطيب:

  أقلب فيه أجفاني كأني ... أعدّ به على الدهر الذنوبا⁣(⁣٢)

  فقد ساق الكلام أصالة لبيان طول الليل وأدمج في ذلك على جهة الاستتباع الشكاية من الدهر.

  ونحوه قول ابن المعتز في وصف نبات يسمى الخيري:

  فقد نقض العاشقون ما صنع الهج ... - ر بألوانهم على ورقة

  فإن الغرض وصف الخيري بصفة لكنه أدمج الغزل في الوصف.

  وفيه وجه ثان من الحسن وهو إيهام الجمع بين متنافين وهما الايجاز والاطناب، أما الأول فمن جهة الادماج، وأما الثاني فلأن الغرض الوصف بالصفرة، واللفظ زائد عليه لفائدة.


(١) فهو أعم من الاستتباع لاختصاصه بالمدح.

(٢) ضمير فيه لليل أي لتقليب أجفاني في الليل كأني أعد بها على الدهر ذنوبه.