علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث الثالث في أقسامها من حيث الوسائط

صفحة 305 - الجزء 1

  وقول الآخر: «وحيثما يك أمر صالح تكن».

  ففي كل هذا توصل الى إثبات للممدوح بإثباتها في المكان الذي يحل فيه، ولزومها بلزومه حيثما كان، وعلى هذا المسلك يحمل قولهم: مثلك لا يبخل.

  قال في «الكشاف»: نفوا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية، لأنهم اذا نفوه عمن يسد مسده وعمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه، ونظيره قولك للعربي: العرب لا تخفر الذمم، فإنه أبلغ من قولك: أنت لا تخفر، انتهى.

المبحث الثالث في أقسامها من حيث الوسائط

  تنقسم الكناية باعتبار الوسائط الى أقسام أربعة:

  ١ - تعريض⁣(⁣١) وهو خلاف التصريح واصطلاحا ما أشير به الى غير المعنى بدلالة السياق، كما تقول: المسلم من سلم المسلمون من لسانه، فالمعنى الأصلي انحصار الاسلام فيمن سلم الناس من يده ولسانه، والمعنى الكنائي اللازم للمعنى الأصلي انتفاء الاسلام عن المؤذي مطلقا، وهو المعنى المقصود من اللفظ، ويشير بسياقه الى نفي الاسلام عن المؤذي الذي تكلمت عنده.

  ومن لطيف ذلك ما كتبه عمر بن مسعدة وزير المأمون الى المأمون يوصيه على بعض أصحابه: أما بعد، فقد استشفع بي فلان الى أمير المؤمنين ليتطول⁣(⁣٢) في إلحاقه بنظرائه، فأعلمته بأن أمير المؤمنين لم يجعلني في مراتب المستشفعين، وفي ابتدائه بذلك بعد عن طاعته، فوقع المأمون في كتابه: قد عرفنا نصيحتك له وتعريضك لنفسك وأجبناك اليهما.

  ٢ - تلويح، وهو لغة أن تشير الى غيرك من بعد واصطلاحا كناية كثرت فيها الوسائط بين اللازم والملزوم، نحو: (أولئك قوم يوقدون نارهم في الواد) كناية عن بخلهم، فقد انتقل من الايقاد في الوادي المنخفض، الى إخفاء النيران، ومن هذا الى عدم رغبتهم في اهتداء ضيوفهم اليها، ومن ذا الى بخلهم، ونحوه ما تقدم من قولهم: هو جبان الكلب، ومهزول الفصيل.


(١) قد يكون التعريض كناية كما في هذا المثال، وقد يكون مجازا.

(٢) يتطول: أي يتكرم من الطول، وهو الفضل والزيادة.