علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث الثامن في تفسير التشبيه باعتبار الوجه إلى قريب مبتذل وبعيد غريب

صفحة 231 - الجزء 1

  فإنه قد لاحظ في الأنجم الشكل والمقدار واللون واجتماعها على مسافة مخصوص في القرب، ثم نظر الى مثل ذلك في العنقود المنور من الملاحية.

  وكلما كان التركيب (خياليا كان أو عقليا) من أمور أكثر كان التشبيه أبعد لكون تفاصيله أكثر.

  ٢ - التشبيه البليغ هو البعيد الغريب لغرابته، ولأن الشيء إذا نيل بعد طول الاشتياق اليه كان نيله أحلى وموقعه من النفس ألطف، كما قال الجاحظ: يذكر ما في الفكر والنظر من الفضيلة، وأين تقع لذة البهيمة بالعلوفة ولذة السبع بلطع⁣(⁣١) الدم وأكل اللحم من سرور الظفر بالأعداء، ومن انفتاح باب العلم بعد إدمان قرعه.

  ٣ - ربما تصرف الفطن الحاذق بصنعة الكلام في القريب المبتذل فجعله بديعا نادرا وغريبا لا ترتقي اليه أفكار العامة، كأن يشترط في تمام التشبيه وجود وصف لم يكن، وانتفاء وصف قد كان ولو ادعاء، ويسمى التشبيه المشروط، وذلك على ضروب، منها:

  ١ - أن يكون كقول المتنبي:

  لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا ... إلا بوجه ليس فيه حياء⁣(⁣٢)

  فتشبيه الحسناء بالشمس مطروق مبتذل يستوي فيه الخاصة والعامة، لكن حديث الحياء وما فيه من الدقة والخفاء أخرجه من الابتذال الى الغرابة وشبيه به قول أبي نواس:

  إن السحاب لتستحي اذا نظرت ... الى نداك فقاسته بما فيه

  حتى تهم باقلاع فيمنعها ... خوف من السخط من إجلال منشيها

  ٢ - أن يكون كقول الوطواط:

  عزماته مثل النجوم ثواقبا ... لو لم يكن للثاقبات أفول⁣(⁣٣)


(١) لطع: لحس.

(٢) تلق إما بمعنى تبصر، فالتشبيه غير مصرح به، وإما من لقيته بمعنى قابلته وعارضته، فهو فعل يدل على التشبيه، وهو تشبيه مقلوب، إذ المقصود تشبيه الوجه بالشمس، لا العكس.

(٣) العزمات جمع عزمة، وهي المرة من العزم، والثواقب اللوامع.