علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

الباب الأول في التشبيه وفيه اثنا عشر مبحثا

صفحة 237 - الجزء 1

  وذلك أنه لما رأى استمرار وصف الأخلاق بالضيق وبالسعة، تعمد تشبيه الأرض الواسعة بخلق الكريم بادعاء أنه في السعة أكمل من الأرض المتباعدة الأطراف، وقوله تعالى حكاية عن مستحلي الربا: إنما البيع مثل الربا، إذ مقتضى الظاهر أن يقال: إنما الربا مثل البيع، لكنهم خالفوا ذلك ذهابا منهم الى جعل الربا في الحل أقوى حالا من البيع.

  ومنه قول البحتري:

  في طلعة البدر شيء من محاسنها ... وللقضيب نصيب من تئنيها

  وقوله في وصف بركة المتوكل:

  كأنها حين لجت في تدفقها ... يد الخليفة لما سال واديها

  وكل هذا إذا أريد إلحاق الناقص في وجه الشبه حقيقة، أو ادعاء بالزائد فيه فإن أريد مجرد الجمع بين شيئين في أمر جاز التشبيه، ولكن الأحسن تركه والعدول الى التشابه ليكون كل من الطرفين مشبها ومشبها به احترازا من ترجيح أحد المتساويين على الآخر، كما فعل أبو إسحاق الصابي في قوله:

  تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي ... فمن مثل ما في الكاس عيني تسكب

  فو الله ما أدري أبالخمر أسلبت ... جفوني أم من عبرتي كنت أشرب⁣(⁣١)

  ويجوز التشبيه أيضا كتشبيههم غرة الفرس بالصبح وعكسه متى أريد ظهور منير في مظلم أكثر منه، من غير قصد، الى المبالغة في وصف الغرة بالضياء وفرط التلألؤ، ونحو ذلك، وتشبيه الشمس بالمرآة المجلوة، أو الدينار الخارج من السكة، كما قال ابن المعتز:

  وكأن الشمس المنيرة دينا ... ر جلته حدائد الضراب

  وعكسه متى أريد استدارة متلألئ متضمن لخصوص في اللون، وإن عظم التفاوت بين نور الشمس ونور المرآة، والدينار وبين الجرمين، إذ ليس شيء من ذلك بمنظور اليه في التشبيه.


(١) سكب الدمع: إرساله، وأسبل الدمع والمطر اذا مطل.