علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث الرابع في المجاز المرسل

صفحة 255 - الجزء 1

  للمدلول، كما يقولون: الألفاظ قوالب المعاني، أو علاقة السببية والمسببية، أو نحو ذلك، بحسب ما يهدي اليه الذوق، ويرشد اليه الوجدان الصادق.

  (٢) قد يكون اللفظ الواحد صالحا لأن يكون بالنظر الى معنى واحد مجازا مرسلا واستعارة باعتبارين، فإذا جاز مراعاة علاقتين أو أكثر فالمعول عليه هو ما لاحظه المتكلم، فإن لم يعرف مقصده، صح للمخاطب أن يعتبر ما يشاء، ولكن بعد أن ينعم النظر ويرجح أكثرها قوة وأشدها ملاءمة للغرض، ومن ثمة يرجح علاقة المشابهة على غيرها، والمشابهة الحقيقية على الصورية، فمثلا المشفر اذا أطلق على شفة الإنسان، فإن لوحظ في إطلاقه عليها المشابهة في الغلظ، فهي استعارة، وإن لوحظ أنه من إطلاق اسم المقيد على المطلق كان مجازا مرسلا.

  (٣) قسم الإمام عبد القاهر هذا المجاز الى قسمين: خال من الفائدة ومفيد، فالخالي منها ما استعمل في شيء بقيد مع كونه موضوعا في أصل اللغة لذلك الشيء بقيد آخر من غير قصد التشبيه كالمرسن الذي أصله للحيوان والشفة التي أصلها للإنسان، والجحفلة التي أصل وضعها للفرس، اذا استعمل شيء منها في غير الجنس الذي وضعت له، كقول العجاج: وفاحما ومرسنا مسرجا، يريد أنفا كالسراج، وقول الآخر:

  فبتنا جلوسا لدى مهرنا ... ننزّع من شفتيه الصفارا⁣(⁣١)

  أما المفيد فما عدا هذا الضرب والاستعارة كما اذا قصد التشبيه في الأمثلة الماضية، كقولهم في الذم إنه لغليظ الجحافل وغليظ المشافر، فإنه بمنزلة أن يقال كأن شفتيه في الغلظ مشفر البعير، وعليه قول الفرزدق:

  فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي ... ولكن زنجي غليظ المشافر

  يريد: ولكنك زنجي، كأنه لا يسمو فكره الى معرفة شرفي.

  (٤) يلاحظ مما سبق أن اسم العلاقة يستفاد من وصف الكلمة التي تذكر في الجملة، فإن كانت الجزء جعلت العلاقة الجزئية، وإن كانت الكل جعلت الكلية، وهكذا.


(١) شفتيه: اسم لإحدى شفتي البعير، الصفار: يطلق على ما يبقى في أصول أسنان الدابة من تبن ونحوه.