المبحث العاشر في انقسامها باعتبار الجامع أيضا إلى عامية وخاصية
  انظر تر عجبا، ألا تراه قد استعار الاقتيات لإذهاب الرحل شحم السنام، وساعده التوفيق فيما عناه من قبل أن كان الشحم مما يصلح للقوت، وأن الرحل أبدا ينتقص منه ويذيبه.
  والغرابة على ضروب، منها:
  ١ - أن تكون في الشبه نفسه، كما في قول يزيد بن مسلمة عبد الملك يصف فرسا له بالأدب:
  عودته فيما أزور حبائبي ... إهماله وكذاك كل مخاطر
  وإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشكيم الى انصراف الزائر(١)
  فقد شبه(٢) هيئة وقوع العنان في موقعه من قربوس السرج ممتدا الى جانبي فم الفرس بهيئة وقوع الثوب في موقعه من ركبتي المحتبى ممتدا الى جانبي ظهره، ثم استعار الاحتباء وهو جمع الرجل ظهره وساقيه بثوب أو غيره لوقوع العنان في قربوس السرج، فجاءت الاستعارة غريبة كما ترى لغرابة الشبه.
  ٢ - أن تحصل بتصرف الاستعارة العامية، كقول ابن المعتز:
  سألت عليه شعاب الحي حين دعا ... أنصاره بوجوه كالدنانير(٣)
  فهذا تشبيه معروف، لكنه تصرف فيه بأن أسند الفعل الى الشعاب دون ووجوههم، وعدى الفعل الى ضمير الممدوح بعلى، فأفاد اللطف والغرابة من حيث أبان أن الشعاب امتلأت من الرجال وغصت بها من كل ناحية وجانب.
  ٣ - أن تحصل بالجمع بين عدة استعارات لإلحاق الشكل بالشكل، كقول امرئ القيس:
  فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف اعجازا وناء بكلكل
  فقد أراد وصف الليل بالطول، فاستعار له اسم الصلب وجعله متمطيا لما هو مشاهد من أن كل ذي صلب يزيد طوله شيئا ما عند التمطي، ثم ثنى واستعار
(١) القربوس مقدم السرج، والعلك المضغ، والشكيم الشكيمة الحديدة المعترضة في فم الفرس، وعنى بالزائر نفسه، دلالة على تأدب فرسه، حيث يقف مكانه وإن طال مكثه.
(٢) ووجه الشبه إحاطة شيء بشيئين، ضاما أحدهما الى الآخر، على أن أحدهما أعلى والآخر أسفل، والتشبيه بين مفردين باعتبار ما تضمنه كل منهما من الهيئة لا أنه واقع بين هيئتين.
(٣) يريد أن الممدوح مطاع في حيه اذا دعاهم لبوا نداءه زرافات ووحدانا.