علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

نموذج عام في البيان

صفحة 315 - الجزء 1

  ولو أن في كبد السماء فضيلة ... لسما لها زيد الجواد فنالا

  يا زيد آل يزيد ذكرك سؤدد ... باق وقربك يطرد الإمحالا

  نفحات كفك يا ذؤابة وائل ... تركت عليك الراغبين عيالا

  فيؤدي المعنى على حقيقته دون مبالغة ولا إغراق، أو حين يمدح جعفر بن يحيى البرمكي فيقول:

  تداعت خطرب الدهر عن جابر جعفر ... وأمسك أنفاس الرغائب سائله

  هو البحر يغشى سرة الأرض سيبه ... وتدرك أطارف البلاد سواحله

  فلو لم يكن في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق الله سائله

  فهو قد شبهه بالبحر اللجي، يعم فيضه الآفاق، وتدرك سواحله أطراف البلاد، أو نحو أبي نواس وهو يمدح الخطيب:

  أنت الخطيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلاكما بحر

  ويحق لي اذا صرت بينكما ... ألا يحل بساحتي فقر

  فجعله كالبحر المتدفق الذي اذا حل ببلدة عمها الخصب وفارقها الجدب، أو نحو قول البحتري يمدح يوسف بن محمد:

  أدراهم الأولى بداره جلجل ... سقاك الحيا روحاته وبواكره

  وجاءك يحكي يوسف بن محمد ... فروتك رباه وجادك ماطره

  إذ لم يشأ إلا أن يجعل الغيث يشبهه في فيضه، وبالغ في التشبيه، وافتن في الأسلوب، وعكس ما ألفه الناس من تشبيه الجواد بالغيث والبحر، ثم انظر إلى قول الآخر:

  إذ ما رأيت رأيت البحر يبسط كفه ... فلا تخش إقلالا من الدهر أو عدما

  فقد لجأ في وصف ممدوحه بالكرم الى الاستعارة المصرحة وهي كما تعلم أبلغ من التشبيه وأعلى كعبا لما فيها من دعوى الاتحاد بين المشبه والمشبه به، وقول أبي العتاهية:

  للجود باب في الأنام ولم تزل ... يمناك مفتاحا لذاك الباب

  فقد جعل للجود بابا مفتاحه في يد الممدوح اليمنى على سبيل الاستعارة المكنية وقول المتنبي في مدح كافور: