التعقيد المعنوي
  ظهور القرائن الدالة على المقصود، فبعجز الكلام عن أداء المعنى، كقول العباس ابن الأحنف:
  سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
  يريد أنه يتحمل الفراق وآلامه، ويوطن النفس على الحزن والأسى، عله يحظى بوصل يدوم، وسرور لا ينقطع، فطالما نال الصابرون أمانيهم، وفرجت كروبهم. وهذا المعنى مطروق لهجت به ألسن الشعراء والكتاب، قال عروة ابن الورد:
  تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ... ولم تدر أني للمقام أطوف
  وقال أبو تمام:
  أآلفة النحيب كم افتراق ... ألمّ فكان داعية اجتماع(١)
  وقيل للربيع بن خيثم، وقد صلى ليلة حتى أصبح: أتعبت نفسك، فقال: راحتها أطلب.
  إلا أن ابن الأحنف لم يتم له ما أراد على سنن قويم، فإنه كنى عما قصد بكنايتين أصاب في أولاهما، المحزّ وطبّق المفصل، وأخطأ في آخراهما وجه الحقيقة، ولم يسلك المهيع الواضح في الرمز والإيماء الى ما أراد، بيان هذا أنه دل بديئا بسكب الدمع على ما يلزم فرقة الأحباب من الحزن والكمد والتعب والنصب، فأصاب شاكلة الصواب، فإن البكاء عنوان الحزن والأمارة الدالة عليه، فيرمز به اليه حتى قالوا: «أبكاني وأضحكني» على معنى ساءني وسرني، كما قال الحماسي:
  أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضى(٢)
  ثم تلا ذلك فدل بجمود العين على ما يوجبه دوام التلاقي، من الفرح والسرور، لكن التوفيق لم يكن حليفه في هذا، إذ الجمود إنما هو خلو العين من البكاء عند الداعية اليه، فهو كناية عن البخل بالدموع حين الحاجة اليها، كما قال أبو عطاء يرثي أبي هبيرة:
(١) ألم نزل، ولنحيب البكا.
(٢) قبله: أنزلني الدهر على حكمه من شامخ عال الى خفض.