علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

تأكيد المدح بما يشبه الذم

صفحة 342 - الجزء 1

  على وجه يشعر بتفريعه عن الأول، وعليه قول الكميت يمدح آل البيت:

  أحلامكم لسقام الجهل شافية ... كما دماؤكم تشفي من الكلب

  فقد فرع من وصفهم بشفاء أحلامكم لسقام الجهل ووصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب.

تأكيد المدح بما يشبه الذم

  وهو على ضروب ثلاثة:

  ١ - وهو أبلغها أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها، وذلك هو الغاية القصوى في المدح كقول النابغة الذبياني:

  ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب⁣(⁣١)

  فقد أثبت لهم شيئا من العيوب بتقدير عد فلول السيف من المعايب، وهذا محال، لأن ذلك دليل كمال الشجاعة وفرط الحمية، فكأنه في المعنى تعليق على المحال، كما قالوا في الأمثال: حتى يبيض الفار، وحتى يلج الجمل في سم الخياط، وفي هذا الأسلوب تأكيد من وجهين:

  (أ) أنه كدعوى أقيم عليها البرهان، إذ كأنه استدل على نفي العيب عنهم بتعليق وجوده على وجود ما لا يكون وما لا يتحقق بحال.

  (ب) أن الأصل في الاستثناء الاتصال، فإذا تلفظ المتكلم بغير أو إلا أو نحوهما دار في خلد السامع قبل النطق بما يذكر بعدها أن الآتي مستثنى من المدح السابق، وأنه يراد به إثبات شيء من الذم وهذا ذم، فإذا أتت بعدها صفة مدح تأكد المدح لكونه⁣(⁣٢) مدحا على مدح في أبهى قالب وآنق منظر.

  ونظيره قول ابن الرومي:

  وما تعتريها آفة بشرية ... من النوم إلا أنها تتخير

  كذلك أنفاس الرياض بسحره ... تطيب وأنفاس الرياض تغير


(١) الفلول جمع فل بفتح الفاء الكسر يصيب السيف في حده، والقراع المقارعة والمضاربة، والكتائب جمع كتيبة.

(٢) وللاشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر الى استثناء صفة المدح وتحويل الاستثناء من متصل الى منقطع.