علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث الأول في تعريف الخبر

صفحة 44 - الجزء 1

  ويرى إبراهيم النظام ومن تابعه أن صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر به، ولو كان خطأ غير مطابق للواقع، وكذبه عدمها، فإذا قال قائل: الشمس أصغر حجما من الأرض، معتقدا ذلك، كان صدقا، واذا قال: الشمس أكبر من الأرض، وكان غير معتقد ذلك، كان كذبا.

  واحتج لذلك بوجهين:

  (١) أن من اعتقد أمرا فأخبر به، ثم ظهر خبره مخالفا للواقع فإنه يقال: ما كذب ولكنه أخطأ، كما روى أن عائشة قالت فيمن شأنه كذلك: ما كذب ولكنه وهم، ورد بأن المنفي تعمد الكذب لا الكذب، بدليل تكذيبنا اليهودي اذا قال: الإسلام باطل، وتصديقنا إياه اذا قال: الإسلام حق.

  (٢) قوله تعالى: {وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ}⁣(⁣١)، فقد كذبهم في قولهم: إنك لرسول الله، وإن كان مطابقا للواقع لأنهم لم يعتقدوه. وأجيب عن ذلك بوجوه:

  (أ) أن المعنى نشهد شهادة وافقت فيها قلوبنا ألسنتنا كما يرشد الى ذلك التأكيد بأن واللام والجملة الاسمية في قولهم: إنك لرسول الله، فالتكذيب راجع الى الشهادة باعتبار تضمنها خبرا كاذبا، وهو أنها من صميم القلب، وخلوص الاعتقاد.

  (ب) أن التكذيب متجه الى تسمية إخبارهم شهادة، لأن الإخبار اذا خلا عن المواطأة للاعتقاد لم يكن شهادة في الحقيقة.

  (ج) أن المراد لكاذبون في قولهم: إنك لرسول الله، لا في الواقع، بل في زعمهم واعتقادهم لأنهم يعتقدون أنه غير مطابق للواقع، فيكون كذبا باعتبار اعتقادهم، وإن كان صادقا في الواقع والحقيقة، فكأنه قيل إنهم يزعمون أنهم كاذبون في هذا الخبر الصادق.

  ويرى تلميذه الجاحظ أن الخبر غير منحصر في القسمين الصادق والكاذب، بل الأقسام الثلاثة: صادق وكاذب وواسطة بينهما، لأن الحكم إن طابق الواقع مع اعتقاد المخبر أنه مطابق فهو صدق، وإن لم يطابق الواقع مع اعتقاده أنه


(١) سورة المنافقون.